[font=Arial Black][center]هذا ما حدث لصاحب قصتنا وأنا أعلم أن أمثاله في واقعنا كثيرون بل كثيرون جدا ممن نكبت بهم أممهم وبلادهم بدلا من أن يكونوا أعضاء صالحين وعاملين منتجين:
يقول صاحب قصتنا والتي جاءت في كتاب "المراهقون يتحدثون": كنت أعيش في أسرة كل عضو فيها مشغول بأمر نفسه.. والدي مشغول بعمله طوال النهار مع جزء من الليل.. والدتي تقضي معظم أوقاتها مع صديقاتها في النادي.. شقيقي الكبير يعمل في الخارج، ونادرا ما يتصل تلفونيا للاطمئنان علينا.
لم أجد أحدا في الأسرة أتحدث معه أو أشكو إليه مشاكلي أو همومي. ولذلك لم أشعر أنني سعيد مع أن والدي يمنحني الكثير من المصروف كل أسبوع، وإذا احتجت المزيد فلم أتردد في طلب ما احتاجه من والدتي التي لم تتأخر لحظة في تلبية رغباتي المالية.
لم تكن هناك أية رقابة من الأسرة على سلوكياتي، ولم يسألني والدي في يوم ما أين أذهب أو أين أسهر ومن هم أصدقائي.
أما عن أصدقائي فهم جماعة من رفقاء السوء ممن ابتلوا بإدمان المخدرات وتناول الخمور ولعب القمار الذين وجدت عندهم ما افتقدته في البيت؛ فقد كانوا دائما ما يحيطونني بمشاعر المودة والاحترام التي افتقدتها في أسرتي.. هل تعرفون لماذا كل هذا الاهتمام؟ لأنني أستطيع أن أحصل على المال من والدي في أي وقت!
وبالطبع كانوا يستطيعون الحصول على كل ما أمتلك من مال وقتما يريدون، ولم أكن أدري أنهم يستغلون علاقتي بهم، ولكني أخيرا أدركت أنهم جماعة فاسدة يسيرون في طريق الهاوية.
بعدما اجتزت امتحان السنة الأولى في كلية العلوم بتقدير (جيد) وجدت نفسي بلا هدف، ولم أجد ما أفعله لملء وقت الفراغ الذي كنت أعانية. فشكوت هذا الملل لأحد أصدقائي من أفراد الجماعة وعلى الفور اقترح اقتراحا من الصعب أن أرفضه وهو أن أذهب معه في نزهة بالسيارة على شاطئ النيل مع اثنتين من الفتيات الجميلات.
وعندما حان موعد النزهة وجدت هذا الصديق يقود سيارة فارهة مع الفتاتين الجميلتين حيث ادعي أنهما من أقاربه، واعتقدت في بداية الأمر أنها سيارة والده، ولكني فوجئت بعد ذلك أنه قد سرقها بمفتاح مصطنع وأخبرني أنه سوف يعيدها إلى مكانها بعد انتهاء النزهة.. قضينا وقتا ممتعا، ثم رجعنا في منتصف الليل إلى قواعدنا لاستكمال السهرة في شقة أحد الأصدقاء.
وفي اليوم التالي قام هذا الصديق بسرقة سيارة أخرى من أجل نزهة أخرى. واستمر الحال على هذا إلى أن علّمني كيف أسرق السيارات ثم أعيدها إلى مكانها في آخر الليل.
ولكن صديقي لم يقتنع بذلك، بل تطور الأمر إلى أنه لم يقم بإعادة السيارة إلى مكانها، بل اتفق مع تاجر (خردة) على بيع السيارة المسروقة بمبلغ ألف جنيه، ورغبني في الاشتراك معه في تلك السرقات، واقتسمت معه المبلغ فيكون نصيبي (500) خمسمائة جنيها. ومارست سرقة السيارات وأصبحت حرفتي..
وإلى هذا الوقت لم يكن والدي يعرف أنني تركت الكلية، ولم أرغب على الإطلاق في استكمال الدراسة، وكذلك والدتي التي كانت مشغولة مع صديقات النادي بالحفلات التي لا تنتهي.
دق جرس تليفون المنزل لكي يخبر (المتحدث) والدتي أنه قد تم إلقاء القبض عليّ في قضية سرقة سيارة.. انهارت والدتي وسقطت على الأرض مغشيا عليها، فقامت الخادمة بالاتصال بوالدي على التليفون المحمول لتخبره بما حدث.
دقائق معدودة وجدت والدي أمامي في قسم الشرطة ومعه المحامي الخاص لكي يخرجني على ذمة القضية، ولكن المحامي لم يستطع إقناع ضباط الشرطة بذلك حتى يتم عرضي على النيابة في صباح اليوم التالي.. وأمام وكيل النيابة اعترفت بما حدث وتم تحويل أوراق القضية إلى المحكمة التي قضت بسنتين سجن.. وعند سماع والدي بذلك الحكم أصيب بالشلل، ولم يعد قادرا على العمل بعد ذلك.
خرجت من السجن لأجد والدي مشلولا قعيد الفراش، ولم يعد لنا مصدر رزق بعد ذلك.. والدتي تركت المنزل لأنها لم تكن قادرة على رعاية والدي.. وكانت ترعاه الخادمة التي لم تتقاضى مرتبها منذ ستة شهور، ولم تترك الخادمة مهمتها في رعاية والدي حتى بعد خروجي من السجن.
ماذا أفعل وسط هذه الصراعات الرهيبة مع الحياة؟ اضطررت إلى العمل (منادي سيارات) ولكن ما كنت أحصل عليه من هذا العمل لم يكن يكفي ثمن الدواء لوالدي! ماذا أقول لكم بعد ذلك سوى أنني كنت أدعو الله تعالى أن يكشف هذه الغمة التي ظلت تلازمني.
أدركت أنني كنت مقصرا في حق الله تعالى وفي حق نفسي، فاتجهت إلى العبادة لعل الله سبحانه يخرجني من هذا الجحيم.. واظبت على أداء الصلوات فأحسست بشيء من الراحة النفسية بالرغم من الضائقة المالية التي كنت أعيشها مع والدي المشلول.. إلى أن جاء فرج الله عندما حضر شقيقي من الخارج بعد غيبة طويلة.
صمد شقيقي أمام تلك الصدمات، فكان صابرا قويا وحرص على علاج والدي، ويسر الله لنا وتعونا في عم مشروع تجاري صغير أبدأ من خلاله عملا شريفا.
إلى هنا انتهت القصة ولكن لم تنته معها معاناة كثير من الشباب الذين لم تهيئ لهم الأقدار أخا مسافرا أو كريما معاونا أو سبيلا للحياة شريفا، بل ربما خرجوا من السجون ليزاولوا نشاطهم ويكملوا مع السرقة مشوارهم ولتصلى أسرهم وأوطانهم جحيم جرائمهم.
وربما لو وجد هؤلاء أبا حانيا أو أما رؤوما أو أخا عطوفا لتغيرت معالم حياتهم ولربما كانوا أمثلة طيبة في العلم والعمل.. ولقد صدق من قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً