تعلم: كيف تدمر شخصية طفلك؟
تعلم كيف تدمر شخصية طفلك؟!
هل تصرخ في ولدك.. هل تضربه؟ هل تميز بينه وبين إخوته؟ هل تشكو منه كثيرا؟ هل تأمره فيستجيب؟ هل تقارن بينه وبين بقية الأطفال في سنه، إذا كنت تفعل ذلك أو واحدة منها على الأقل فولدك سوف يكون ضعيف الشخصية وليست لديه القدرة على أن يثق بنفسه أو يثق به الآخرون، وسيظل يبحث دائما عن ذاته التي سلبتها إياه منذ الصغر.
هل تقدر ولدك، هل تنصت إليه، هل تعطيه الفرصة ليتحدث، هل تشجعه، هل تثق به، هل توكل إليه بمسئوليات، هل تعطيه الفرصة ليخطئ، هل تتحاور معه، هل تحترم إمكانياته، هل تحاول أن تكتشفه، إذا كنت تفعل ذلك أو بعضا منه فأبشر فطفلك سيكون من رجال المستقبل العظماء.
تحليل للأسباب
معروف أن السنوات الأولى من تربية أي طفل هي المحك وهي البذرة التي تنمو معه وتسبغ شخصيته عندما يكبر، فإذا كنت تريد ابنك بطلا يثق بنفسه، ولا يعاني من أمراض نفسية أو عقد كما يقولون فهناك طريقة للتربية، وإذا كنت تريده شخصا ضعيفا يعاني مدى الحياة فهذه طريقة أسهل بكثير.
وإذا بحثنا عن دور الآباء الهدام في حياة أبنائهم نستطيع الرجوع لاستشارة بعنوان ( ثقة ابنتك بنفسها قتلتها ) تقول أم: "ابنتي عمرها 11 سنة، دائما زعلانة، وفي البيت والدها يقارن بينها وبين أخيها الأصغر، فلما أقول لأخوها على شىْ عمله كويس "شاطر برافو عليك"، ترد هي: أنا عارفة أن "ماحدش بيحبني" الحقيقة هي ما بتعرفش تفرح، ما الحل"؟.
وفي توصيفها للمشكلة تقول المستشارة سها السمان: "في الحقيقة عندما قرأت الاستشارة، أحسست بمدى الظلم الذي تعرضت له ابنتك حتى يصل بها الحد إلى هذه الدرجة من عدم الثقة بالنفس، تتساءلين لماذا لا تعرف ابنتك الفرح؟ هل ساعدتموها في معرفته حتى تتذوقه وتحس به؟.
بدأت ابنتك في بناء شخصيتها على عدم الثقة بالنفس، ونشأت الغيرة بينها وبين إخوتها، ولا أخفي عليك أن المشوار في إعادة تهيئة ابنتك سيكون صعبا، ولكن عليك أن تتحمليه لأنك أنت وأباها المسئولان عن وصولها إلى هذا الحد من عدم الثقة بالنفس".
للإشباع العاطفي في الصِغَر دور عظيم في زرع الثقة داخل أولادنا فقد أرسل أحد الآباء يسأل: ابنته ذات 16 ربيعاً أنها ضعيفة الثقة بنفسها برغم وجود إمكانات جيدة جدًّا لديها.."، وترجع د.مي حجازي السبب في ذلك لعدم الإشباع العاطفي لدى الابنه فتقول: من استقراء ترتيب الابنة نجد أنها جاءت بعد أربع بنات و"والدتها غير متفرغة"، وأن هذه المشكلة لم تتكرر مع أحد من إخوتها؛ وبالتالي يمكن القول بأن إحساسها بعدم الأمان راجع إلى حدوث خلل ما حدث في علاقتها بأمها في مراحل طفولتها الأولى، فلسبب أو لآخر لم يحدث عندها الإشباع العاطفي الكافي.
هناك نوع آخر من الأخطاء التي نقع فيها كآباء وهو تدليل الأبناء بشكل زائد فيقول أحد الآباء في استشارة "ابنتي (3.5) سريعة اليأس، فهي كثيرًا ما تيأس من أول محاولة، وتبدأ في البكاء مع الصراخ لعدم استطاعتها مثلاً الحصول على لعبتها".
وفي تفسير المشكلة تقول د. ليلى الأحدب: "طفلتك يا أخي العزيز كما يبدو من البيانات هي الأخيرة بعد أربع أطفال، والاستنتاج السهل هو أنها طفلة مدلَّلة يسعى الجميع إلى خطب ودها ورضاها، فكثيرًا ما يكون أفراد الأسرة هم السبب في إنقاص ثقة الطفلة بنفسها؛ إذ لا يسمحون لها بحرية التصرف في أي موقف خشية عليها من أن تؤذي نفسها أو تؤدي الأمر بشكل خطأ، مع أن الطفل لا يتعلم إلا عن طريق الخطأ.
النقد الدائم للأبناء يجعلهم يركزون على نقاط ضعفهم، ولا يرون شيئا جميلا في أنفسهم، وذلك بدلا من تعليمهم كيف يتقبلون أنفسهم ويحبونها، وكيف يرون الأشياء الجميلة في داخلهم، ففي استشارة أرسلت أخت تشكو شراهة أختها الأقل جمالا، فتقول: "لدي أخت في الثامنة من العمر، وهي أقل جمالا من أخواتها الأكبر والأصغر منها، ولكنها أكثر تفوقا.. عيبها أنها تأكل بشراهة غريبة".
وتحلل تقول د. منى البصيلى أسباب المشكلة فتقول: "إن الفتاة لديها شعور بعدم الثقة في النفس، وذلك لإدراكها أنها أقل أخواتها جمالا، وهذا يشعرها بأن لديها نقطة ضعف يلاحظها الجميع، كما أنها تشعر بفراغ عاطفي وافتقاد للحب بسبب النقد الدائم لها، وبالتالي هي تحاول تعويض كل ذلك بالمبالغة في الطعام بصورة تشعر فيها برغبة في تدمير النفس والانتقام منكم بطريقة لاشعورية".
سفر الآباء وايضا خوف الأمهات الزائد على أبنائهم سببان آخران كفيلان بتدمير ثقة الابن بنفسه حيث يعدد أحد الآباء أسباب مشكلة ابنه دون أن يدري فيقول: "ابني 9 سنوات دائم الخوف أمامي وشخصيته غير مستقرة، لا يستطيع التعبير عما بداخله أمامي، وكذلك عند استذكاري معه يتلعثم في الكلام نتيجة تسرعه في الإجابة، وأعترف أني كنت أعاقبه بشدة في طفولته ووالدته تخاف عليه بشكل جنوني، وكان بعيدًا عني لمدة ثلاث سنوات".
مبدأ الأمر بلا نقاش مع الأولاد يضر أكثر مما يصلح كما يعتقد بعض الآباء تقول أحد الأمهات: "أنا أم لخمسة أشعر بأن ابني البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا ضعيف الشخصية وهو منطوٍ نوعًا ما.. كما أريد أن أسأل بخصوص بناتي اللاتي يناقشن كثيرًا وهن في عمر المراهقة.. زوجي يقول لي يجب أن تأمريهن بفعل الشيء بلا نقاش، فهل أفعل ذلك؟".
يعالج د. عمرو أبو خليل المشكلة ويؤكد أنها تتركز في مبدأ "الأمر بلا نقاش" السائد في البيت ويتعجب قائلا: "كيف ستقوي شخصية طفل يتم تربيته على الأوامر بدون نقاش!".
أطفال يعانون
المشكلات العضوية كالتبول اللإرادي أحد انعكاسات مشكلة ضعف الثقة بالنفس لدى الأطفال أيضا فعندما يعاني الابن من مشكلة التبول اللاإرادي وضعف التركيز وكثرة الضحك والشخصية الضعيفة على حد وصف والده، يرجع المستشار تلك المشكلات إلى الضغط النفسي الذي يعانيه بسبب عدم ثقة والديه به ومقارنته دائمًا بأخيه، ويؤكد المستشار أن الأطفال يكوِّنون صورهم عن ذواتهم من خلال صورنا نحن عنهم.
ويلخص د.حمدي شعيب أخطر سمات وانعكاسات ضعف التقدير الذاتي لدى الأطفال في التخلف الدراسي، التخلف الاجتماعي، وعدم المشاركة مع الآخرين، ومصاحبة غير المميزين، والعزلة والانطواء، والخجل الاجتماعي، والازدراء النفسي، وأمراض الكلام: مثل التلعثم والتهتهة!؟. وكذلك التفريط في حقوقه: فلا يهمه أن تسلب منه أشياؤه وممتلكاته، ولا يحاول المحافظة عليها أو الدفاع عنها أو استردادها.
الوقاية خير من العلاج
ويرجع د. شعيب أسباب تكوين القناعات السلبية عند الأبناء إلى أسباب مباشرة وهي التي تأتي من خلال ألفاظنا وكلماتنا في تعاملاتنا مع أبنائنا؛ فلا تحتاج إلى أي تفسير؛ وتترسخ في اللاوعي على هيئة رسائل سلبية مثل: (الانتقاد الدائم ـ التهديد ـ التنابز بالألقاب ـ السب والشتم ـ السخرية)، وأسباب غير مباشرة وهي التي تأتي من خلال سلوكياتنا مع أبنائنا؛ فيفسرونها في داخلهم؛ وتترسخ في اللاوعي على هيئة رسائل سلبية مثل (المقارنة مع أقرانه أو إخوانه - الحماية الزائدة - سوء الظن - التجسس - الاتهام - تساقط الزلات - التسلط الوالدي والعقاب المتوالي).
كما يورد د. حمدي شعيب بعض النقاط التربوية المهمة لتجنب زرع شعور عدم الثقة بالنفس لدى الأولاد، ومنها: الدعم الإيجابي: بالتشجيع والتقدير، تلقينه القيم الطيبة، عدم اللوم، عدم التخطيء، واحترام تجاربه الاستكشافية للبيئة المحيطة، حرية الترويح واللعب، الاستماع الجيد له، الحوار واحترام أسئلته، احترام خصائص وسمات مرحلته.
ولكيفية بناء وتشكيل القناعات الإيجابية والتقدير الذاتي عند الأبناء هناك بعض النقاط الهامة التي يؤكد عليها د.شعيب وهي:
- غرس المعايير والمفاهيم الصحيحة: وذلك عن طريق العدل بين الأبناء، بث روح الثقة بالنفس، بث روح التنافس، إتقان فن الإنصات، المحاورة والاستشارة، وضع إستراتيجية الثواب والعقاب؛ وتكون معلومة وواضحة لدى الأبناء بعد موافقتهم عليها بالطبع.
- بناء روح المبادرة والإيجابية: وذلك بإشباع احتياجاته النفسية، وتحديد هدفه في الحياة والعدل والتعزيز الإيجابي ونشر روح الأسرة الدافئ.
- إتقان مهارات الدعم الإيجابي المعنوي والمادي والتعزيز المعنوي، مثل المداعبة والممازحة، المدح خاصة أمام الآخرين، لوحة الشرف، الألقاب الطيبة، القبلة، الملامسة، مسح الرأس وفرك الشعر، الابتسامة، المصاحبة في السفريات، أما التعزيز المادي فيكون بالهدايا والعطايا والأوسمة وشهادات التقدير.