كل العرب انفو الاخباري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل العرب انفو الاخباري

منتدى . ثقافي . اجتماعي . رياضي . تعليمي . اسلامي . شامل
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الصحابه رضوان الله عليهم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4
كاتب الموضوعرسالة
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالثلاثاء يناير 19, 2010 6:27 am

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

موقف أهل السنة والجماعة من آل البيت


الخطبة الأولى

الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار, ويصطفي للشرف من شاء من الأخيار ، شرّف رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم على كل البرية ، وجعل ذريته أشرف ذريّة .
أحمد ربي تعالى وأشكره وأثني عليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نتقرب إلى الله تعالى بمحبة رسوله وعترته الطاهرة الزكية صلى الله وسلم وبارك عليهم وعلى الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد،
فوصية الله تعالى للأولين والآخرين تقواه "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله".

أيها المسلمون:
الشريف في ذاته يفيض بالشرف على من حوله والكريم في معدنه يسري كرمه في المحيطين به، انظر إلى زجاجة العطر كيف تبقى فوّاحة بعد نفاد ما فيها، تطلّع إلى جوار المصباح وكيف استحال هالة من نور، وسوارًا من ضياء وكذلك البشر تفيض بركة السعداء منهم وتتعداهم إلى غيرهم . فكثير من سلالة إبراهيم الخليل غدوا أنبياء وأصحاب عيسى صاروا حواريين ورفاق محمد صلى الله عليه وسلم شرفوا بالصحبة وأزواجه أمهات للمؤمنين. ونسله استحقوا وصف الشرف والسيادة، كيف لا وفيهم من دمائه دم، و من روحه نبض ومن نوره قبس ومن شذاه عبق ومن وجوده بقية صلى الله عليه وصلى على آله وأزواجه وصلى على صحابته وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أيها المسلمون:
ولكرم النبي صلى الله عليه وسلم كرمت ذريته، ولشرفه شرف آل بيته، وكانت مودتهم ومحبتهم جزءًا من شريعة المسلمين، رعوها على مر الزمان كما رعوا باقي الشريعة. وأقاموها كما أقاموا بقية أحكام الدين، وقد يكون قصّر بعض المسلمين في هذا الجانب في مراحل من التاريخ وفي وقائع دونت بمداد من أسى كما يقصّر بعض المسلمين في بعض واجباتهم؛ فتكتب عليهم ذنبًا من الذنوب وخطيئة من الخطايا، إلا أن الطابع العام للأمة هو معرفة قدرهم، وبذل المودة لهم ومحبتهم وموالاتهم، شهدت بذلك عقائدهم المدونة وتفاسيرهم المبسوطة وشروحات السنن وكتب الفقه. كيف لا، وهم وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هم وصيته وهم بقيته، إذ يقول: "أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" (رواه مسلم) وآل بيته صلى الله عليه وسلم هم أزواجه وذريته وقرابته الذين حرمت عليهم الصدقة هم أشراف الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" (رواه البخاري)، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني" وفي رواية في الصحيحين أيضًا: "فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها"، وروى البخاري -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أنت مني وأنا منك"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحسن بن علي رضي الله عنه : "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" (رواه البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن رضي الله عنه : "اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه" (متفق عليه). وقد قال الله عزّ وجل في كتابه الكريم وقرآنه العظيم: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا" ومعلوم أن هذه الآية نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأن ما قبلها وما بعدها كله خطاب لهن رضي الله عنهن، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: قولوا: "اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". وهذا يفسر اللفظ الآخر للحديث: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ فالآل هنا هم الأزواج والذرية كما في الحديث الأول.

عباد الله: هذه بعض فضائل آل بيت النبوة كما حفظتها كتب السنة والتزمها المسلمون منذ صدر الإسلام الأول وأنزلوهم منازلهم اللائقة من غير إفراط ولا تفريط. ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن أبا بكر رضي الله عنه قال: ارقبوا محمدًا في أهل بيته". وفي الصحيحين "أن أبا بكر رضي الله عنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي" وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد بالرضا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والسبق والفضل ولما وضع الديوان بدأ بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول للعباس رضي الله عنه: "والله لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب لحب النبي صلى الله عليه وسلم لإسلامك"، كما استسقى بالعباس وأكرم عبد الله ابن عباس وأدخله مع الأشياخ... كل ذلك في صحيح البخاري وغيره . وقد روى إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في فضائل آل البيت وحفظ للأمة أحاديث كثيرة في ذلك ، منها ما رواه عن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس: "والله لا يدخلُ قلب مسلم إيمانٌ حتى يحبّكم لله ولقرابتي "، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حيث قال يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي". رواه مسلم.
وقال الطحاوي رحمه الله: "ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق".

عباد الله: إن مما تفاخر به هذه البلاد المملكة العربية السعودية منذ نشأتها بمراحلها الثلاث حكامًا وعلماء ، رعاة ورعية اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة آل بيته وتعظيمهم ومحبتهم واقتفاء أثرهم والدفاع عنهم وعن منهجهم ودينهم الحق. وقد اتخذت ذلك ديناً ومنهجًا وقربة إلى الله عز وجل. وتحملت في سبيل هذا المنهج العدل طعون الطاعنين ولمز الشانئين ولا يزيدها ذلك إلا ثباتًا على الحق وتمسكًا بمنهج الوسط واتباعًا لسنة آل البيت حقًا وليس أحدٌ أتبع لمنهجهم اليوم من هذه البلاد وأهلها وحكامها وعلمائها. قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "لآله صلى الله عليه وسلم حق لا يشركهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر قريش.. وقريش يستحقون ما لا يستحقه غيرهم من القبائل". وقال رحمه الله في موضع آخر: "وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقًا، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد بل هو من الغلو والجفاء، ونحن ما أنكرنا إلا ادعاء الألوهية فيهم وإكرام مدعي ذلك" انتهى كلامه رحمه الله . و قال الإمام في السنة في زمانه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "والشيخ محمد رحمه الله – يعني ابن عبدالوهاب - وأتباعه الذين ناصروا دعوته كلهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ساروا على نهجه ويعرفون فضلهم ويتقربون إلى الله سبحانه بمحبتهم والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والرضا كالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكالخليفة الرابع الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبنائه الحسن والحسين ومحمد رضي الله عنهم . ومن سار على نهجهم من أهل البيت" انتهى كلامه رحمه الله.

أيها المسلمون:
ولأن آل بيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومحبتهم، أمر تهفو إليه النفوس وشعور تجثو عنده العواطف، وحس يتحرك له الوجدان فقد نفذ من هذا الباب من استغله وتاجر به واستخدمه من ادّعى خدمته، منذ القرن الأول من عمر هذه الأمة إلى أيامنا هذه، وعلى مر ذلك التاريخ الطويل وتحت شعار محبة آل البيت والانتصار لهم. برزت مطامع سياسية وأخرى مادية وصفيت ثارات عرقية عنصرية واندس موتورون بهذا الدين، شانئون له مبغضون لأهله يهدمون أساسه ويبغون اندراسه، حتى غيرت معالم الدين وشوهت الشريعة وبدلت العقيدة، ونبتت الفرقة وثار غبار النزاع والشقاق. فطالوا أهم ما فيه وهو التوحيد ثم كرّوا على أهم مسائل العقيدة فحرفوها ثم أخذوا يعيثون فسادًا في بقية شرائع الدين وأطاعوا شيوخهم في التحليل والتحريم بلا هدى حتى صاروا كمن قال الله فيهم: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله". عظموا المشاهد وعطلوا المساجد ناهيك عن أكل أموال الناس بالباطل واستحلال فروج الحرائر. وتكفير عموم الأمة وكنِّ العداوة والبغضاء للعرب الذين هم مادة الإسلام وأصل الإسلام كل هذا يحدث ويكون تحت لافتات النصرة لآل البيت، ومحصلة الأمر كله تمكن مندسين في تغيير عقائد الإسلام الراسخة وشرائعه الثابتة وشعائره الظاهرة لدى جماعة من المسلمين باسم آل البيت ومحبة آل البيت.

و هنا أمران يستدعيان الوقوف ويلحان في الطرح.
أولهما: أن آل البيت الثابتة أنسابهم هنا في الحجاز أو ممن انتشر منهم في البلاد أو حكم جزءًا من بلادنا الإسلامية اليوم، هم أبعد الناس عن تلك المذاهب المستحدثة، تشهد بذلك عقائدهم ومؤلفات العلماء وطلبة العلم منهم ومواقعهم على شبكة الاتصال العالمية، وكذا مواقف الساسة منهم والحكام فيهم؛ فهل بعد هذا بصيرة لمستبصر وذكرى لمستذكر؟!
الأمر الثاني: أنه في الوقت الذي ينكر فيه المعروفون من آل البيت تلك العقائد الدخيلة، تنشط في الوقت نفسه عناصر ليسوا عربًا ولا من نسل العرب، ينشطون في الحديث باسم آل البيت وتكوين دين يزعمون أنه مستقىً من آل البيت، دين لا يعرفه صاحب البيت ولم يأت به جد آل البيت؛ بل ويخالف شريعة مؤسسه صلى الله عليه وسلم. بل إن أولئك العجم هم الرعاة لهذه العقائد المستحدثة ، الناشرون لها منذ نشأت إلى يومنا هذا. ألم يتساءل العقلاء منهم أو من تأثر بهم لماذا لم تلق هذه العقائد قبولاً في منازل آل البيت وفي مهبط الوحي وموطن الرسالة؟ ويقودنا هذا إلى تأكيد على دور العلماء وطلبة العلم خاصة من النسل الشريف وآل البيت المنيف ممن جرت في عروقهم الدماء الزكية أن يملكوا زمام المبادرة في الحفاظ على عقيدة جدهم صلى الله عليه وسلم، وألا يتركوا الصوت العالي يذهب لغيرهم ممن يتاجر باسمهم وينتفع بالحديث عنهم، مفسدًا أديان الناس وعقائدهم. إن عليهم وعلى عموم الأمة مسؤولية عظمى لهداية الناس وتبصيرهم بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم واكتمل بوفاته، وتنقية فطر المسلمين من لوثات الغلو والجفاء لئلا تحيد بهم الأهواء عن صراط الله الذي قال فيه سبحانه: "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيها من الآيات والحكمة. أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،
فلقد وفّق الله هذه البلاد ومنذ أن قامت في دورها الأول بلزوم جماعة المسلمين والتمسك بالإسلام الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين، وقفوا أثر آل البيت وعموم الصحابة والتابعين مما جعل للإسلام في هذه الديار بقاء بنقاء وهيمنة بصفاء. إن الإسلام الذي تمسكت به هذه البلاد هو الإسلام الذي قبلَتْه أجيال الأمة على مرَّ القرون يُسْلِمُه سلَفُهم إلى خَلَفِهم وعُلَماؤهم إلى مُتَعَلمهم، نافين عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ولأجل هذا كانت هذه البلاد بحكامها وعلمائها في مَرْمَى سهام المتربصين، وإفك الكاذبين، لقد نال علماء هذه البلاد الكثير من الطعن والتكفير كما نال حكامه صنوف من اللمز والتشكيك في المواقف السياسية والمبادرات والقرارات في محاولة للحد من تأثيرها الإيجابي في العالم. ولإقصائها عن الريادة في أمور الدين وفضاء السياسة وهو الأمر الذي هو قَدْرُها وقدرها ويمليه عليها مكانها ومكانتها وتتطلع إليه قلوب المستضعفين قبل عيونهم أملاً في لملمة شمل، وتطلعًا لمداواة جرح، ورغبة في سد حاجة. ومواقفها وسيرتها شاهدة على الجمع لا التفريق ورأب الصدع لا شق الصفوف، حفظها الله قائمة بالإسلام منافحة عنه.
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل في علاه: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا" اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وصل وسلم وبارك على آله وأزواجه وذريته وصحابته وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة نبيك أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى، وخذ بهم للبر والتقوى، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لرضاك واجعل عمله في رضاك، اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. الله كن للمسلمين في فلسطين وفي كل مكان. اللهم آمنهم في أوطانهم وأرغد عيشهم واحقن دماءهم واكبت عدوهم. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرّج هم المهمومين والمسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسر المأسورين واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم ولجميع المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الصحابة ومكانتهم عند المسلمين


رَبَّنَا لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الإهداء
أهدي هذه الرسالة إلى مَن تعهداني بأسباب الرعاية
أمي وأبي



المقـدمة




مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فما له من هاد.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين الذي بُعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الذين اهتدوا بهديه, فكانوا أعلام الهدى , المنار المقتدى.
أما بعد:
فقد تعرض الجيل الأول من المسلمين إلى محن قاسية وتحملوا أعباء كبيرة من أجل التمكين لهذا الدين القيّم في الأرض, فخرجوا من قلب الجزيرة العربية إلى العالم أجمع يحملون لهم الدواء الناجع لما كانت تعانيه الإنسانية من ضياع وتمزق. يحملون السلام العالمي الذي طالما حلم به الفلاسفة والحكماء, وقدموه للدنيا بأسرها وعلى وجوههم علامات الرضا, غير عابئين بما ضحوا في سبيل ذلك من دمائهم وأموالهم واغترابهم. فنالوا بهذه التضحيات الجسام الثواب الجزيل من الله تعالى والحب العظيم من رسول الله e, وأصبحوا نبراس الأمة الإسلامية ومثالها الفذ مَن أجبهم أحب الله ورسوله ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله.
غير إن كثيراً ممن استحوذ عليهم الشيطان, وممن نذروا أنفسهم للنيل من هذا الدين العظيم لم يرق لهم هذا التكريم لصحابة رسول الله e وكانوا يعلمون أنهم يمثلون سور الدين, وأن الطعن فيهم هو السبيل الموصلة إلى هدمه دون ضوضاء, فأخذوا يشوهون صورتهم في أعين الناس, ويبثون آراءهم المنحرفة في صحابة رسول الله e.
لهذا كله حق على كل مسلم غيور أن في كل زمان ومكان أن يدافع عن تلك النخبة الطاهرة الذين لولا جهادهم وإخلاصهم وأمانتهم لما نعمنا بنعمة الإسلام, وأن يساهم ولو بشيء يسير في إبراز دورهم الهام في حفظ الشريعة وتعاليم الدين, لأننا مدينون لهم بكل شيء, فحبهم قربى إلى الله, والذود عنهم ذود عن حياض الدين, ولاشيء أوجب على المسلم في حياته من ذلك.
وهذا ما دفعني إلى أن أكتب رسالتي في هذا الموضوع وأن أسميها " الصحابة ومكانتهم عند المسلمين" سائلا المولى تعالى أن يجعلها في صحيفة عملي يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم.

وقد جاءت رسالتي على بابين وخاتمة.

فالباب الأول – عقدته في الصحابة- جاء مشتملاً على ثلاثة فصول:

الفصل الأول في التعريف بالصحابة رضي الله عنهم, وذكرت فيه تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً, وطبقات الصحابة, وعددهم والطرق التي يُعرف بها الصحابي.
أما الفصل الثاني فقد عقدته لبيان عدالتهم رضي الله عنهم وبينت فيه عدالتهم من خلال القران الكريم, والسنة النبوية وأقوال علماء الأمة وسلفها الصالح, ثم من خلال سيرتهم وأحوالهم العطرة.
والفصل الثالث, تحدثت فيه عن اختلافات الصحابة فتكلمت عن أسباب الاختلاف بين الناس عموماً, ثم بين الصحابة وأنواع الاختلافات التي وقعت بين الصحابة, وعن الآثار الناجمة عن تلك الاختلافات وأخيرا موقف علماء الأمة من اختلافهم.
أما الباب الثاني الذي عقدته لبيان مكانتهم فقد جاء مشتملاً على ستة فصول:
الفصل الأول: تحدثت فيه عن مكانة الصحابة عند الشيعة الإمامية. وذكرت فيه أيضاً نشأتهم وآراءهم وفرقهم.
الفصل الثاني: تكلمت فيه عن الإسماعيلية تعريفها ونشأتها وآرائها وموقفها من الصحابة ومكانتهم لديها, وأتيت فيه بشيء من جهود العلماء في مقاومة ضلالها.
الفصل الثالث: تحدثت فيه عن الزيدية وما قامت به من محاولات لتصحيح منهج التشيع وبينت فيه موقفهم من صحابة رسول الله e بعد أن ذكرت فرقهم.
الفصل الرابع: تحدثت فيه عن الخوارج وأسباب ظهورهم وصفاتهم وفرقهم وأرائهم ثم عن مكانة الصحابة عندهم.
الفصل الخامس: تحدثت فيه عن أهل السنة والجماعة وذكرت تعريفهم وأصنافهم وموقفهم من الصحابة وحكم من تجاوز عليهم عندهم بسب أو لعن أو اكفار.
الفصل السادس: عقدته في بيان النتائج الضارة للطعن في الصحابة رضي الله عنهم, وبينت فيه أن الطعن ينجم عنه الطعن في صحة نقل القرآن الكريم, والطعن في صحة نقل السنة النبوية, وتكذيب القرآن والسنة في نصوص كثيرة بعينها, وكذلك ينجم عنه الطعن في شخص الرسول e وأخيراً تصوير الإسلام ديناً بعيداً عن التطبيق العملي.


أما الخاتمة فقد تحدثت فيها عن النتائج التي خرجت بها من دراستي هذه.
ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل للدكتور حارث سليمان الضاري لتفضله بالإشراف على رسالتي المتواضعة هذه ولما قدمه لي من ملاحظات أثناء كتابتي لها, التي كانت نعم العون لي. كما أتقدم بالشكر لكل من مد يد المساعدة وأشكر أسرة مكتبة كلية العلوم الإسلامية لما قدموه لي من تعاون وأسرة مكتبة التأميم المركزية فجزاهم الله عني ألف خير.
وأخيراً... فهذا جهد بذلته فإن أصبت فبعون من الله وفضل وإن أخفقت فإنما أنا بشر. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



الباب الأول
الفصل الأول
التعريف بالصحابة

من هو الصحابي
طبقات الصحابة
عدد الصحابة
طرق معرفة الصحابي





أولاً:- مَن هو الصحابي؟
الصحابي لغة مشتق من الصحبة, وهي المعاشرة, جاء في لسان العرب: صحبه يصحبه صُحبة بالضم وصحابة بالفتح, وصاحَبَه عاشَرَه ... والصاحب المُعاشر().
وقال صاحب المصباح المنير: والأصل في هذا الإطلاق -أي إطلاق اسم الصحبة من حيث اللغة- لمن حصل له رؤية ومجالسة. ووراء ذلك شروط للأصوليين. ويطلق مجازاً على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة, فيقال: أصحاب الشافعي, وأصحاب أبي حنيفة(), وكل شيءٍ لائم شيئاً فقد استصحبه().
ولا يشترط في إطلاق اسم الصحبة لغة, أن تكون الملازمة بين الشيئين طويلة الأمد, أو الملابسة بينهما عميقة, لأنها اسم مشتق من فعل, والأسماء المشتقة من الأفعال يصح أن تطلق بمجرد صدور الفعل, ولا علاقة لها بمقدار تحقق ذلك الفعل في الشخص.
فكما أن قولك: ضارب وهو اسم مشتق من الفعل (ضرب) يصح أن يطلق بمجرد صدور الضرب من شخص ما دون النظر إلى مقدار هذا الضرب, كذلك يصح أن يطلق اسم الصحابي أو الصاحب على كل من صحب غيره مهما كان مقدار الصحبة. لهذا قال صاحب الرياض المستطابةSadيطلق اسم الصحبة في اللغة على الشيئين إذا كان بينهما ملابسة وان قلّت أو مناسبة أو ملابسة من بعض الوجوه)().
أما تعريف الصحاب من حيث الاصطلاح فقد اختلف العلماء في حدّه على أقوال (فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله r )(), وقال ابن حجر: (هو من لقي النبي e مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح)().
غير أن (منهم من بالغ فكان لا يعد من الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول حيث قال: رأى عبدالله بن سرجس رسول الله e غير انه لم يكن له صحبة, هذا مع كون عاصم قد روى عن عبدالله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه, ومنها قوله: إن النبي e استغفر له. فهذا يوضح رأي عاصم في الصحابي بأنه من صحب الصحبة العرفية().
(وكذا روى عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد من الصحابة إلا من أقام مع النبي e سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً)().
ومنهم من اشترط أن يكون حين اجتماعه بهF بالغاً , وهو مردود أيضاً لأنه يخرج أمثال الحسين بن علي ونحوه من أحداث الصحابة() وروي عن بعض أصحاب الأصول في تعريفهم للصحابي (أنه من طالت مجالسته عن طريق التتبع)() قال ابن حجر: (والعمل على خلاف هذا القول وأنهم اتفقوا على عدّ جمع من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي e إلا في حجة الوداع)().
ولعل أرجح التعاريف وأجمعها ما اختاره ابن حجر إذ قال: (وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي e مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو عنه ومن غزا معه أو لم يغز معه ومن رآه ولو لم يجالسه, ومن لم يره لعارض كالعمى)().
وهذا الذي صححه ابن حجر نسَبَه كثير من العلماء إلى الإمام البخاريT. وأثبت ابن حجر أن البخاري تابع فيه شيخه علي بن المديني T حيث قال: (وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرأت في المستخرج لأبي قاسم بن منده بسنده إلى أحمد بن يسار الحافظ المروزي قال: سمعت أحمد بن عتيك يقول: قال علي بن المديني: من صحب النبي e ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي e)().
وأرى أن هذا التعريف الذي ذكره ابن حجر هو أرجح التعاريف لما يلي:
أولاً: لأنه يتماشى مع المدلول اللغوي لكلمة الصحبة, ولا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إلا عند وجود مقتضى لذلك من نص أو مانع, لا وجود لشيء من ذلك كله.
ثانياً: لأنه قول جهابذة السنة وعلماء الأمة ممن لا يعدل قولهم قول غيرهم ممن خالفهم.
ثالثاً: لأن التوسع في إطلاق الصحبة يرى فيه العلماء وجهاً من وجوه الثناء على رسول الله e وتقديراً لمكانته e حق قدرها, قال ابن الصلاح: (بلغنا عن أبي المظفر السمعاني المروزي أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة ويتوسعون حتى يعدوا من رآه رؤية من الصحابة, وهذا لشرف منزلة النبي e أعطوا كل من رآه حكم الصحبة)().
رابعاً: إن الأقوال الأخرى غير جامعة لكل من تشرف بلقاء النبي e أو رآه ولو مرة, لأنها اشترطت طول المجالسة أو الغزو معه أو الرواية عنه e وهذه الأمور لم تتحقق لكثير ممن وصفوا بالصحبة, كالعميان والأحداث من الصحابة y.
ثم إن الصحبة تكريم من الله لجماعة من البشر اختارهم سبحانه ليكونوا معية رسول الله e والنقلة لكل أحداث عصر النبوة. كما إن الجرح والتعديل بتطبيقهم لقواعد النقد العلمي الصحيح لم يعثروا على ما يمكن أن يكون مخلاً بعدالة أي شخص ثبت أنه رأى أو لقي النبي e مسلماً ومات على الإسلام.

ثانياً: طبقات الصحابة
حينما نقول أن كل من رأى النبي e مؤمناً به ومات على الإيمان فان له شرف الصحبة, وما يلزم منها من العدالة ودخولهم الجنة بوعد الله تعالى لهم بقوله: } لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌÇÊÉÈ {() فليس معنى هذا أن الصحابة كلهم على مرتبة واحدة, بل هم على طبقات ودرجات, حددها عدل الله سبحانه وتعالى. إذ فيهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار, وفيهم من تلوهم وتبعوهم بإحسان, فكان لابد أن يتفاوتوا في الفضل والمرتبة والزلفى عند الله تعالى, لذلك رتبهم العلماء الذين اعتنوا بهم إلى طبقات, وقد اختلفوا في ترتيب تلك الطبقات باعتبارات مختلفة.
فقسمهم ابن سعد في طبقاته على حسب القدم والمشاهد إلى خمس طبقات, هي():
الأولـى : البدريون من المهاجرين.
الثانيـة : البدريون من الأنصار.
الثالثـة : الذين لم يشهدوا بدراً ولهم إسلام قديم.
الرابعـة: الذين أسلموا قبل الفتح.
الخامسة : الذين أسلموا بعد الفتح.

ورتبهم الحاكم إلى اثنتي عشرة طبقة() وهي كالآتي:
الأولى: قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم.
الثانية: أصحاب دار الندوة.
الثالثة: المهاجرون إلى الحبشة.
الرابعة: الذين بايعوا النبي e عند العقبة.
الخامسة: أصحاب العقبة الثانية.
السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله e وهو بقباء قبل أن يدخل المدينة ويبني المسجد.
السابعة: أهل بدر الذين قال رسول الله e فيهم: (( لعل الله أطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم))().
الثامنة: المهاجرون الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله } لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا { ().
العاشرة: المهاجرة بين الحديبية والفتح, منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو هريرة().
الحادية عشرة: الذين أسلموا يوم الفتح وهم جماعة من قريش.
الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله e يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما.

والناظر في تقسيم الحاكم يرى أنه قائم على السبق في دخول الإسلام بغض النظر عن أية عوامل أخرى, بخلاف ما جرى عليه ابن سعد في طبقاته من اعتماده المشاهد والسبق إلى الإسلام معاً, فعنده أن المهاجر البدري أعلى رتبة من الأنصاري البدري باعتبار عامل السبق, ومن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار فهو أعلى رتبة ممن لم يشهدها وإن كان إسلامه قديماً, وهو بهذا يكون أميز من مخالفيه في تقديرنا.
هذا الترتيب والمفاضلة بين الصحابة y على سبيل الإجمال، أما على سبيل الأفراد لكل منهم فقد ذهب جمهور علماء أهل السنة إلى أن أفضل الناس بعد رسول الله e أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان وممن لهم مزية من أهل العقبتين من الأنصار والسابقين الأولين().

ثالثاً: عدد الصحابة
لاشك أن حصر عدد الصحابة أمر متعذر لأمور, منها: أن الرسول e عاش يدعو إلى دين الله ثلاثة وعشرين عاما, وقد أسلم في هذه الفترة خلق كثير بلا شك, فمنهم من كان يقيم معه ومنهم من يرجع إلى الجهة التي جاء منها, ومعرفة من أعلن إسلامه أمام الرسول e ومن أسلم دون أن يلتقي به أمر في غاية الصعوبة.
لذا فإن من كتب في هذا المجال, فإنما كتب على سبيل التقريب لا التحديد فيما نظن.
فقد روي عن أبي زرعة الرازي قوله: (توفي رسول الله e ومن رآه ومن سمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية)().
وأخرج الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: (خرج رسول الله e لعشر مضين من رمضان, وصام الناس معه, حتى إذا كانوا بالكديد أفطر, ثم مضى في عشرة آلاف من المسلمين) وكان ذلك عام الفتح().
وقال ابن حجر: (ثبت عن سفيان الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه قال: من قدّم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله e وهو عنهم راض()- يعني الذين توفوا في خلافة أبي بكر وعمر-.
من خلال هذه الآثار يتبين لنا أن أصحاب رسول الله e كانوا من الكثرة بحيث أن الرواة الذين سمعوا من رسول الله e يزيدون على مائة ألف.
ومع هذا فإن التاريخ لم يحفظ لنا عشر ما ذكره أبو زرعة من الرواة. وقد قام الدكتور أكرم ضياء العمري بدراسة استقرائية في كتب معرفة الصحابة وتوصل إلى هذه النتيجة().
إن أوسع كتب معرفة الصحابة هو كتاب الإصابة لابن حجر حيث بلغت ترجماته(9477) ترجمة ممن عرفوا بأسمائهم و (1268) ترجمة ممن عرفوا بكناهم و (1522) ترجمة امرأة.
وليس كل من أوردهم ابن حجر في الإصابة قد ثبتت صحبتهم, فقد ذكر في مقدمة كتابه أنه تناول فيه أربعة أقسام, وهي:
الأول: من وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره سواء أكانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة, أو وقع ذكره على الصحبة بأي طريق كان.
الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي e لبعض الصحابة من الرجال والنساء ممن مات e وهم دون سن التمييز, لغلبة الظن أنه e رآهم.
الثالث: فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عليه من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي e ولا رأوه, سواء أسلموا في حياته أم لا, وهؤلاء ليسوا صحابة بالاتفاق.
الرابع: فيمن ذكر في الكتب المتقدمة أنه صحابي على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك().

رابعاً: طرق معرفة الصحابي

للعلماء في معرفة الصحابة رضي الله عنهم طرق يعرفونه بها, ويمكن إجمال هذه الطرق بما يلي:
الأولى: الخبر المتواتر, كصحبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
الثانية: الخبر المستفيض أو المشهور: وهو الخبر الذي لم يصل إلى حد التواتر.
الثالثة: إخبار بعض الصحابة أنه صحابي.
الرابعة: شهادة ثقات التابعين في حقه بكونه صحابياً.
الخامسة: إخباره عن نفسه بصحبته لرسول الله بعد أن ثبتت عدالته عند علماء الجرح والتعديل().
فإذا ما ثبتت للشخص صحبة بأية طريقة من هذه الطرق فهو صحابي ويجب تعديله, واعتبار أقواله ومروياته دون عرضها على ميزان الجرح والتعديل.


الباب الأول
الفصل الثاني
عدالة الصحابة


تعريف العدالة
بم فضل الصحابة y على غيرهم
عدالة الصحابة y في القران الكريم
عدالة الصحابة y في السنة النبوية
عدالة الصحابة y في أقوال السلف الصالح
عدالة الصحابة y من خلال أحوالهم وسيرتهم العطرة
قبل أن نخوض في إثبات عدالة الصحابة رضي الله عنهم من خلال الكتاب والسنة وآراء العلماء, أرى من المناسب أن نتحدث عن معنى العدالة من حيث اللغة والاصطلاح وتوضيح الفرق بينها وبين العصمة ثم نتحدث عن الأشياء التي بها فُضّل الصحابة على غيرهم, بالله التوفيق.
أولاً:- تعريف العدالة
العدالة في اللغة مشتقة من العدل ضد الجور... ورجل عدل أي رضا ومقنع في الشهادة. وتعديل الشيء تقويمه .. وتعديل الشهود أن تقول أنهم عدول().
والعدالة في الاصطلاح عرفها ابن حجر بقولهSad إنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى. والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة)() ولعل هذا التعريف هو المختار عند علماء الحديث.
فالعدالة بهذا المنظور لا تعني أن يكون الإنسان معصوماً, ونحن لا نريد أن نصل بالصحابة إلى مرتبة العصمة, إذ لا يجوز لنا أن ندعيها لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد فهم العلماء هذه الحقيقة, فقد روى الخطيب البغدادي بسنده إلى إمام التابعين سعي بن المسيب أنه قال: (ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب, لابد , لكن من الناس مّن لا تُذكر عيوبه. من كان فضله أكثر من نقصه, وهب نقصه لفضله)().
فإذا صدر من أحد الصحابة ذنب, فلا يعني هذا خروجه من دائرة العدالة لأن مقومات العدالة لا تنص على عدم إتيان الذنوب, كما تنص العصمة على ذلك(). فكل من كان مسلماَ بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق, سالماً من خوارم المروءة فهو جدير بتعديل المعدلين(), ولا يضره بعد ذلك أن تكون له هنّات وزلات, فالزلة لا تسقط بها العدالة كما نص على ذلك أبو حاتم الرازي().


ثانياً: بمَ فُضّل الصحابة على غيرهم.
لا شك أن علماء الأمة عليهم رضوان الله تعالى كانوا عالمين أن الصحابة يمتازون عن غيرهم بأمور استحقوا بها أن يسجل الله سبحانه وتعالى تعديلهم في الذكر الحكيم ليبقى في صدور المؤمنين وعلى أطراف ألسنتهم ما دامت السموات والأرض.
ومن أجل أن نتعرف على الأمور التي استحق بها الصحابة رضي الله عنهم هذه المنزلة, يجدر بنا أن نتعرف أولاً على الأسس التي يتفاضل العاملون بموجبها في أعمالهم بشكل عام, ثم نتعرف على نصيب الصحابة من تلك الأسس لكي نكون على بينة من أمرنا. ومن أجــل أن لا يظن ظان أن العلماء ربما بالغوا حينما قالوا بتعديل الصحابة رضوان الله عليهم وتفضيلهم على مَن سواهم.

وجوه التفاضل بين الناس
لقد رد ابن حزم رحمه الله أسباب التفاضل بين العاملين إلى سبعة أوجه:
(الوجه الأول:- الماهية, وهي أن تكون الفروض في أعمال أحدهما موافاة كلها, ويكون الآخر يضيع بعض الفروض وله نوافل...
الوجه الثاني:- الكمية وهي العرض, فان يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله لا يمزج به شيئاً البتة ويكون الآخر يساويه في جميع عمله, إلا أنه ربما مزج بعمله شيئاً من حب الترقي في الدنيا, وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه.
الوجه الثالث:- الكيفية, فان يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقــوقه ورتبه لا منتقصاً و لا مزيداً ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه, وان لم يعطل منه فرضاً.
الوجه الرابع:- الكم, فان يستويا في أداء الفرض, ويكون الآخر أكثر نوافل, فيفضله هذا بكثرة عدد نوافله.
الوجه الخامس: الزمان, فكمن عمل في صدر الإسلام, أو في عام المجاعة, أو في وقت نازلة بالمسلمين, وعمل غيره بعد قوة المسلمين أو في زمن رخاء وأمن...
الوجه السادس:المكان, كصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة, فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما...
الوجه السابع:- الإضافة, فركعة من نبي أو معه, أو صدقة من نبي, أو صدقة معه, أو ذكر من نبي أو ذكر معه, أو سائر أعمال البر منه ومعه: فقليل ذلك أفضل من كثير الأعمال بعده)(). (أ.هـ)
هذه هي وجوه التفاضل بين الناس ولننظر الآن ما نصيب الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الوجوه.
إذا دققنا النظر في الوجوه التي ذكــرناها آنفاً, جدنا أن الوجه الخامس والوجه السابع لا يشارك الصحابة فيه أحد البتة. فهم الذين آمنوا حين كفر الناس, وهم الذين أنفقوا حين بخل الناس, وهم الذين جاهدوا حينما كانوا قلة يخافون أن يتخطفهم الناس فما زادهم ذلك إلا إيماناً. ومن أجل هذا قال رسول الله r Sad لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه)().
وقال تعالى: }لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{()
قال ابن حزم معلقاً على هذه الآية الكريمة: (وهذا في الصحابة فيما بينهم فكيف لمن بعدهم معهم رضي الله عنهم)(). هذا بالنسبة للوجه الخامس.
أما الوجه السابع من وجوه التفاضل وهو الإضافة: فان الصحابة رضي الله عنهم وحدهم الذين كانت أعمالهم مقترنة مع رسول الله e, صلاتهم وحجهم وجهادهم وسائر عباداتهم, وفي هذا منزلة وشرف تتطلع إليه الأعناق ولا يناله إلا من آتاه الله حظاً عظيماً, لذا فإن أي عمل يقوم به الصحابي بعد رسول الله e لا يوازي شيئاً من عمل البر الذي عمله ذلك الصحابي نفسه مع رسول الله e. وكذلك يمتاز الصحابة عن غيرهم ممن جاء بعدهم بإيمانهم العميق وإخلاصهم العمل لله سبحانه وتعالى, وهو الوجه الثاني من وجوه التفاضل التي ذكرناها آنفاً, وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية محتجاً لرأي عبدالله بن المبارك وأحمد بن حنبل في تفضيل كل فرد في الصحابة على كل فرد ممن جاء بعدهم: (ومن حجة هؤلاء: أن أعمال التابعين وإن كانت أكثر وعدل عمر بن عبدالعزيز أظهر من عدل معاوية t وهو أزهد من معاوية لكن الفضائل عند الله بحقائق الإيمان الذي في القلوب, وقد قال النبي e لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه, قالوا: نحن نعلم أن أعمال بعض من بعدهم أكثر من أعمال بعضهم, لكن من أين نعلم أن ما في قلبه من الإيمان أعظم مما في قلب ذلك الصحابي ... وقال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم الصديق بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه) () ثم هم لم يقصرا فيما تبقى من وجوه التفاضل فقد كانوا حريصين على أن يتمثلوا برسول الله e في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم, فما أجدرهم أن ينالوا ما نالوا وما أجدرنا باحترامهم وإنزالهم المنزلة التي رضيها لهم رب العالمين.
وفوق كل هذا فالصحابة رضي الله عنهم هم نقلة السنة النبوية والشهود على الرسالة السماوية, وهم الذين نذروا أنفسهم في سبيل نشر هذه الرسالة التي امتزجت بها دماؤهم وأرواحهم مما يوجب لهم فضلا عظيما على كل من جاء بعدهم, لأن الله تعالى جعلهم سبباً في هداية غيرهم, مما يدخلهم في قوله e Sad من علّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل)().
وقوله e Sadمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجروه شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) ().

ثالثاً: عدالة الصحابة في القران الكريم:
القرآن هو كتاب الله, كلمته الهادية لأهل الأرض, وهو المقياس الذي يتفاضل الناس في دينهم بمدى تمسكهم بتعاليمه واهتدائهم بهديه, فلا يعد مؤمناً-بإجماع الأمة- من يرى جواز مخالفته لقوله تعالى:} فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{(), إذن فلا يسع المسلم بأي حالٍ من الأحوال إلا أن يسلم قلبه ولبه لله تعالى في كل ما ورد من تشريعات سواء أكانت بنص الكتاب أم على لسان رسول الله r .
وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الصحابة الكرام مشتملة على مكارم كثيرة منحها الله تعالى لهم, بما قدموا من أموالهم وأنفسهم في سبيل نصرة دين الله .
وهذه الآيات من الكثرة والصراحة بحيث لا يستطيع أحد معها أن ينال من صحابي إلا من كان ناقص الإيمان, مريض القلب والعياذ بالله تعالى.
فمن هذه الآيات قوله تعالى: }لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {() و قوله تعالى: } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ{ () وأكثر العلماء على أن المراد بهذه الآية هم المخاطبون عند نزول الوحي وهم صحابة رسول الله r كما نص على ذلك الخطيب وابن حجر().
ومنها قوله تعالى: } وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ ().
ومنها قوله تعالى:} مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{ () وقوله تعالى: } لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا { () و قوله تعالى: } لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ=(Cool وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ = 9 وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{().
ولو لم يأت ذكر الصحابة yفي القرآن الكريم إلا في هذه الآيات الثلاث لكانت كافية لهم في الدنيا والآخرة, كافية لمن يأتي بعدهم في اتخاذ الموقف النبيل تجاه من أكرمه الله تعالى اقراراً بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ويمنعه عمن يشاء.
والمؤمن الحق حين يرى قافلة الإيمان تمضي عليه أن يبذل جهده ليكون في الطليعة فإن لم ينل ذلك فلا أقل من أن يتمنى أن يصل إلى مرتبتهم وأن يلقى الله ومحبتهم في قلبه, وينزع الغل والحسد والبغضاء لركب المؤمنين الأوائل.
و قوله تعالى: } تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ { ()
و قوله تعالى: } الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {()
وقال جل شأنه في حق المهاجرين:} فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ{ ().
ويقول تعالى شاهداً لهم بالإيمان الحق:} وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{ ().
ثم يذكر الله تعالى بشارته لعامة الصحابة y المنفق منهم قبل الفتح والمنفق بعده فيقول جل ذكره: :} لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{().
و قال تعالى: :} إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا{ ().
وقد ذكر تعالى الصحابة y في مواضع كثيرة قارناً ذكرهم بذكر رسول الله r وفي هذا تشريف لهم أيما تشريف, وقد بلغت هذه الآيات من الكثرة ما يطول بنا ذكرها, لذا سنكتفي بذكر طرف منها فإن فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
من هذه الآيات قوله تعالى: } إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ{ ().
و قوله تعالى: } إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{ ().
و قوله تعالى: } وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:18 am

خامسًا: ولاية الشام:
كان معاوية، رضي الله عنه، واليًا على الشام في عهدي عمر وعثمان، رضي الله عنهما، ولما تولى على الخلافة أراد عزله وتولية عبد الله بن عمر فأبى عليه عبد الله بن عمر قبول ولاية الشام، واعتذر في ذلك، وذكر له القرابة والمصاهرة التي بينهم( ), ولم يلزمه أمير المؤمنين على وقبل منه طلبه بعدم الذهاب إلى الشام، وأما الروايات التي تزعم أن عليًا قام بالتهجم على عبد الله بن عمر، رضي الله عنه، لاعتزاله وعدم وقوفه إلى جانبه، ففي ذلك الخبر تحريف وكذب( ), وأقصى ما وصل إليه الأمر في قضية عبد الله بن عمر وولاية الشام ما رواه الذهبي من طريق سفيان بن عيينة، عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: بعث إلىَّ على قال: يا أبا عبد الرحمن إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسر فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله وصحبتي إياه، إلا ما أعفيتني فأبى على، فاستعنت بحفصة فأبى، فخرجت ليلاً إلى مكة( ), وهذا دليل قاطع على مبايعة ابن عمر، ودخوله في الطاعة، إذ كيف يوليه على وهو لم يبايع؟. وفي الاستيعاب لابن عبد البر من طريق أبي بكر ابن أبى الجهم عن ابن عمر أنه قال حين احتضر: ما آسى على شيء إلا تركي قتال الفئة الباغية مع على رضي الله عنه( )، وهذا مما يدل أيضًا على مبايعته لعلى، وأنه إنما ندم على عدم خروجه مع على للقتال، فإنه كان ممن اعتزل الفتنة، فلم يقاتل مع أحد، ولو كان قد ترك البيعة لكان ندمه على ذلك أكبر وأعظم ولصرح به، فإن لزوم البيعة والدخول فيها واجب، والتخلف عن ذلك متوعد عليه برواية ابن عمر نفسه أن النبي × قال: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»( ).وهذا بخلاف الخروج للقتال مع على، فإنه مختلف فيه بين الصحابة، وقد اعتزله بعض الصحابة، فكيف يتصور أن يندم ابن عمر على ترك هذا القتال، ولا يندم على ترك البيعة لو كان تاركًا لها، مع ما فيه من الوعيد الشديد، وبهذا يظهر بطلان قول بعض المؤرخين في زعمهم من ترك ابن عمر البيعة لعلى – رضي الله عنهما- حيث ثبت أنه كان من المبايعين له بل المقربين منه، الذين كان يحرص على توليتهم، والاستعانة بهم، لما رأى فيه من صدق ولاء والنصح له( ).
وبعد اعتذار ابن عمر عن قبول ولاية الشام، أرسل أمير المؤمنين علىٌّ سهل بن حنيف بدلاً منه، إلا أنه ما كاد يصل مشارف الشام حتى أخذته خيل معاوية وقالوا له: إن كان بعثك عثمان فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع( ), وكانت بلاد الشام تغلي غضبًا على مقتل عثمان ظلمًا وعدوانًا، فقد وصلهم قميصه مخضبًا بدمائه، وبأصابع نائلة زوجه، التي قطعت أصابعها وهي تدافع عنه، وكانت قصة استشهاده أليمة فظيعة اهتزت لها المشاعر، وتأثرت بها القلوب، وذرفت منها الدموع، كما وصلتهم أخبار المدينة وسيطرة الغوغاء عليها، وهروب بنى أمية إلى مكة، كل هذه الأمور وغيرها من الأحداث والعوامل كان لها تأثير على أهل الشام وعلى رأسهم معاوية، رضي الله عنه، فقال: كان يرى أن عليه مسئولية الانتصار لعثمان والقود من قاتليه فهو ولى دمه، والله عز وجل يقول: +وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" [الإسراء:33]، لذلك جمع معاوية الناس، وخطبهم بشأن عثمان وأنه قُتل ظلمًا وعدوانا على يد سفهاء منافقين لم يقدروا الدم الحرام؛ إذ سفكوه في الشهر الحرام، في البلد الحرام، فثار الناس، واستنكروا وعلت الأصوات، وكان منهم عدد من أصحاب رسول الله ×، فقام أحدهم واسمه مرة بن كعب فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله × ما تكلمت، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل متقنع في ثوب، فقال: «هذا يومئذ على الهدى»، فقمت إليه، فإذا هو عثمان بن عفان فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا؟ قال: نعم( ). وهناك حديث آخر له تأثيره في طلب معاوية القود من قتلة عثمان وكان منشطًا ودافعًا قويًا للتصميم على تحقيق الهدف، وهو عن النعمان بن بشير عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله × إلى عثمان بن عفان فجاء فأقبل عليه رسول الله ×، فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه فقال:«يا عثمان، إن الله عسى أن يلبسك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني» قالها ثلاثًا، فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: نسيته والله ما ذكرته، قال: فأخبرته معاوية بن أبى سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلى به، فكتب إليه به كتابًا( ). كان الحرص الشديد على تنفيذ حكم الله في القتلة السبب الرئيسي في رفض أهل الشام بزعامة معاوية بن أبى سفيان بيعة على بن أبى طالب بالخلافة، وليست لأطماع معاوية وفي ولاية الشام، أو طلبه ما ليس له بحق، إذ كان يدرك إدراكًا تامًا أن هذا الأمر في بقية الستة من أهل الشورى، وأن عليًا أفضل منه وأولى بالأمر( ), ودليل ذلك ما أخرجه يحيى بن سليمان الجعفى بسند جيد، عن أبى مسلم الخولانى أنه قال لمعاوية: أنت تنازع عليًا، أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إن لأعلم أنه أفضل منى، وأحق بالأمر منى، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلومًا، وأنا ابن عمه، والطالب بدمه، فأتوه، فقولوا له: فليدفع إلىَّ قتلة عثمان، وأسلم له، فأتوا عليًا، فكلموه، فلم يدفعهم إليه( ), وفي رواية: فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إلىَّ، فامتنع معاوية( ), وأما الروايات التي تصور معاوية في خروجه عن طاعة على بسبب أطماع ذاتية وأطماع دنيوية، وبسبب العداء والتنافس الجاهلي القديم بين بنى هاشم وبنى أمية، وغير ذلك من القذف والافتراءات والطعن على أصحاب رسول الله ×، مما اعتمد عليها الكتاب المعاصرون- كالعقاد في عبقرية على، وعبد العزيز الدوري في مقدمة في تاريخ صدر الإسلام- وبنوا عليها تخيلاتهم الباطلة، فهي روايات متروكة مطعون في رواتها عدلاً وضبطًا( ).
وقد استمرت ولاية الشام تابعة لنفوذ معاوية بن أبى سفيان طيلة خلافة على رضي الله عنه، ولم يتمكن على من السيطرة أو تعيين العمال والأمراء فيها، وقد وقعت في الشرق من بلاد الشام بعض المناوشات بين جند على وجند معاوية كان أهمها موقعة (صفين) والتي شهدها على ومعاوية رضي الله عنهما في سنة 37هـ، ولم تمنع هذه المعارك من استمرار سيطرة معاوية على الشام( ).
سادسًا: ولاية الجزيرة:
كانت الجزيرة إحدى الولايات التابعة للشام أيام عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وبعد استشهاده كانت الشام بيد معاوية، والعراق بيد على، مما جعل الجزيرة محل تنازع بين الفريقين، نظرًا لموقعها الجغرافي واتصالها بالشام من جهة وبالعراق من جهة أخرى( ), وبالتالي سهولة السيطرة عليها من كلا الجانبين، وقد وقعت في الجزيرة العديد من المعارك بين أجناد على وأجناد معاوية في محاولة من كلا الطرفين للسيطرة عليها، ويبدو أن عليًا استطاع السيطرة عليها( ), لفترة من الوقت، وعين عليها «الأشتر» وهو أشهر ولاة على في الجزيرة( ), حيث ولاه عليها لأكثر من مرة، فاستطاع أن يرتب أمورها، ثم اضطر على رضي الله عنه لنقله لولاية مصر وذلك في سنة 38هـ( ), فعاد الاضطراب مرة أخرى إلى الجزيرة، ونشط معاوية في الاستيلاء عليها بعد ذلك، فوقعت فيها العديد من المعارك( ), ويبدو أن معاوية استطاع في أواخر سنة 39هـ أن يسيطر إلى حد ما على الجزيرة( ), وقد كانت ملجأ لبعض المعتزلين للحرب بين على ومعاوية وهم الذين لم يبايعوا أيامها أثناء النزاع الناشب بينهما( ), ولعل موقعها في المنتصف بين الطرفين هو الذي دفعهم لاختيارها، وقد وردت أسماء بعض من ولى الجزيرة لعلى ومنهم شبيب بن عامر( )، وكميل بن زياد، وكان لهما دور في مقاومة جيوش الشام التي هاجمت الجزيرة بل أنهما استطاعا الهجوم على الشام من قبل الجزيرة( ).
سابعًا: ولاية مصر:
استشهد عثمان، رضي الله عنه، وعلى مصر محمد بن أبى حذيفة مغتصبًا للولاية فيها، ولم يقره عثمان عليها، وبعد وفاة عثمان أقره علىٌّ على مصر فترة من الوقت لم تطل، حيث وجه معاوية جيشًا إلى نواحي مصر فظفر بمحمد بن أبى حذيفة فقبض عليه ثم سجن وقتل( ), وقد ذكر أن عليًا لم يعين محمد بن أبى حذيفة على مصر وإنما تركه على حاله حتى إذا قتل عين علىٌّ قيس بن سعد الأنصاري على ولاية مصر( ), فقال له: سر إلى مصر وليتكها، واخرج إلى رحلك واجمع إليه ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتيها ومعك جند، فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن واشتد على المريب، وارفق بالعامة والخاصة، فإن الرفق يمن( ), وقد ظهر ذكاء قيس وحسن تصرفه في العديد من المواقف، فإنه حين توجه إلى مصر كان فيها مجموعة ممن غضبوا لمقتل عثمان، ومجموعة ممن اشتركوا في قتله، ولقد لقيته خيل من مصر قبل دخوله إليها فقالوا: من أنت؟ قال: من فألة( ) عثمان، فأنا أطلب من أوى إليه فأنتصر به لله، قالوا: من أنت؟ قال: فيس بن سعد، قالوا: امض فمضى حتى دخل( ) مصر. وهذا الموقف لقيس هو الذي مكنه من دخول مصر، ثم أعلن بعد ذلك أنه أمير، وربما لو أنه أعلن لهؤلاء الأجناد أنه أمير لمنعوه من دخول مصر أصلاً، كما حدث لمن وجهه على إلى الشام فمنعته أجناد الشام من دخولها حينما علموا أنه قد بعث أميرًا على الشام( ), وحينما وصل قيس بن سعد إلى الفسطاط صعد المنبر وخطب في أهل مصر وقرأ عليهم كتابًا من على بن طالب رضي الله عنه وطلب البيعة لعلى( ), وهنا انقسم أهل مصر إلى فريقين: فريق دخل في بيعة على وبايعوا قيسًا، وفريق توقف واعتزل، وكان قيس بن سعد حكيمًا مع الذين بايعوا والذين امتنعوا، حيث لم يجبرهم على البيعة وكف عنهم وتركهم في حالهم( ), ولم يكتف بذلك بل إنه بعث لهؤلاء أعطياتهم في مكان اعتزالهم، ووفد عليه قوم منهم فأكرمهم وأحسن إليهم( ), فساعدت تلك المعاملة الطيبة على تجنب الصدام بهم، وبالتالي ساعدته على تهدئة الأوضاع بمصر، حتى استطاع قيس أن ينظم الأمور فيها، فوزع الأمراء ونظم أمور الخراج، وعين رجالات على الشرطة( ), وبذلك استطاع أن يرتب ولاية مصر، وأن يسترضى جميع الأطراف فيها( ), وأصبح قيس بن سعد في هذا الموقع يشكل ثقلاً سياسيًا وخطرًا عسكريًا على معاوية بن أبى سفيان في الشام، نظرًا لقرب مصر من الشام، ولترتيب قيس لها وتنظيمها وما اشتهر عن قيس من حزم، وخوف معاوية من حركات عسكرية مناوئة له تخرج من مصر، ولذلك فإنه أخذ يراسل قيس بن سعد في مصر مهددًا له، وفي الوقت نفسه يحاول إغراءه بالانضمام إليه، وكانت إجابات قيس على تلك الرسائل إجابات ذكية بحيث لم يستطع معاوية أن يفهم موقف قيس وما ينوى عمله، وقد تعددت بينهما الرسائل( ), وقد انتشرت الروايات الرافضية من الرسائل بين معاوية وقيس بن سعد التي ذكرها أبو مخنف في كتب التاريخ وهي باطلة لا تصح، فقد انفرد بها هذا الرافضي التالف الذي ضعفه رجال الجرح والتعديل بها، وفي متن تلك الرواية غرائب من أبرزها ما يلي:
1- خطاب علي إلى أهل مصر مع قيس بن سعد وفيه: ثم ولى بعدهما وال فأحدث أحداثًا فوجدت عليه الأمة مقالاً فقالوا: ثم نقموا عليه فغيروا، وهذا يعنى أن الذين قاموا على عثمان (رضي الله عنه) رجال الأمة، وأن الأمة قد غيرت هذا المنكر بقتل عثمان، وعلى رضي الله عنه بريء من هذا القول، وهو يعلم أن الذين قتلوا عثمان هم أوباش الناس وأن قتله ظلم وفجور، وأقواله تدل على ذلك، ومنها ما رواه ابن عساكر أن محمد ابن الحنيفة قال: ما سمعت عليا ذاكرًا عثمان بسوء قط( ), وأخرج الحاكم وابن عساكر أن عليًا رضي الله عنه قال: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله لأستحي من الله أن أبايع قومًا قتلوا رجلاً قال له رسول الله×: «ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة»، إني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا فلما دُفن رجع الناس يسألونني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، جاءت عزيمة فبايعت، فلما قالوا: أمير المؤمنين فكأن صدع قلبي وانسكب( ) بعبرة.
وأقواله في هذا المعنى كثيرة( ), وقد جمعتها في كتابي: تيسير الكريم المنان في سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان( ).
2- قول قيس بن سعد: أيها الناس إنا قد بايعنا خير ما نعلم بعد نبينا ×. وهذا مردود، إذ إن الثابت تفضيل أبى بكر وعمر (رضي الله عنه) على علىٍّ رضي الله عنه كما صح بذلك، وهذا لا يشك فيه أحد في ذلك الزمان من الصحابة وغيرهم، وعليه فلا يصح نسبة هذا الكلام لقيس بن سعد، رضي الله عنه، ولا لغيره من الصحابة والتابعين، ولم يشتهر هذا إلا عند الشيعة الروافض المتأخرين( ), قال ابن تيمية: الشيعة المتقدمون كلهم متفقون على تفضيل أبى بكر وعمر( ), والأدلة في تفضيل أبى بكر وعمر كثيرة منها ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نخير بين الناس في زمن النبي ×، فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان( ).
والأحاديث في ذلك كثيرة( ) ومشهورة، وحقيقة الأمر كما مر معنا في الروايات الصحيحة السابقة أن معاوية طلب من أمير المؤمنين تسليمه قتلة عثمان ولم يتهم أمير المؤمنين عليًا به.
3- رسالة معاوية إلى قيس بن سعد: وإشارته إلى كون على طرفًا في قتل عثمان، وهذا لا يصح صدوره من معاوية، ذلك أن الأمر واضح في براءة على (رضي الله عنه) كما مر في الفقرة السابقة، وهذا لا يجهله معاوية (رضي الله عنه)، فضلاً أن يقره لقيس بن سعد (رضي الله عنه)، وهذا محمد بن سيرين من كبار التابعين ومن الذين عاصروا ذلك المجتمع يقول: لقد قتل عثمان وما أعلم أحدًا يتهم عليًا في قتله( ), ويقول أيضًا: لقد قتل عثمان يوم قتل وإن الدار يومئذ لغاصة، فيهم عبد الله بن عمر، وفيهم الحسن بن على في عنقه السيف، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا( ), وأخرج ابن أبى شيبة بسند رجاله ثقات عن محمد ابن الحنيفة أن عليًا قال: لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل والبر والبحر( )، والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدًا( ), مما يؤكد اشتهار كراهية على رضي الله عنه لقتل عثمان( ).
4- وأما ما أورده من اتهام معاوية للأنصار في دم عثمان، فهذا لا يصح من معاوية وهو يعلم أن الذي قام بالدفاع جميعًا هم الأنصار، فقد أخرج ابن سعد بسند صحيح أن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، جاء إلى عثمان، رضي الله عنه، وهو محصور فقال: هذه الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين، قال: فقال عثمان: أما القتال فلا( ).
5- ما ذكره من اختلاق معاوية كتابًا على لسان قيس بن سعد، فهذا من الكذب الذي لا يعقل صدوره من معاوية، ذلك أن العرب كانوا يعدون الكذب من أقبح الصفات التي يتنزه عنها الرجال الكرام، وهذه قصة أبى سفيان وهو يومئذ على الشرك فيما أخرجه البخاري في قصة سؤال هرقل عن رسول الله ×، يقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علىَّ كذبًا لكذبت عليه( ), فهذه منزلة الكذب عند العرب، وعند المسلمين أشد وأخزى، ولا يقول قائل: هذه خدعة، والحرب خدعة، فإن الخدعة ليس معناها الكذب كما هو معلوم من كلام العرب، ومعاوية، رضي الله عنه، أحذق من أن يفعل هذا( ).
6- رواية هذه الكتب الكثيرة بين قيس ومعاوية وعلى رضي الله عنهم بهذا التسلسل وبهذه الدقة تدخل الشك والريبة على القارئ لجهالة المطلع والناقل لها( ).
يقول الدكتور يحيى اليحيى: إن ولاية قيس بن سعد بن عبادة، رضي الله عنهما، على مصر من قبل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه أمر مجمع عليه( ), وكل من ترجم لقيس لم يذكر هذه التفاصيل( ), أي التي ذكرها أبو مخنف في روايته، وحتى مؤرخو مصر المعتبرون لم يذكروا ذلك( ), هذا وقد نقل رواية أبى مخنف من الطبري بعد حذف واختصار كل من: ابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون، وابن تغرى بردى( ), وقد أخرج الكندي أيضًا عن عبد الكريم بن الحارث قال: لما ثقل مكان قيس على معاوية كتب إلى بعض بنى أمية بالمدينة: أن جزى الله قيس بن سعد خيرًا واكتموا ذلك، فإني أخاف أن يعزله على إن بلغه ما بينه وبين شيعتنا، حتى بلغ عليًا فقال من معه من رؤساء أهل العراق وأهل المدينة: بدل قيس وتحول، فقال على: ويحكم، إنه لم يفعل، فدعوني، قالوا: لتعزلنه فإنه قد بدل، فلم يزالوا به حتى كتب إليه: إني قد احتجت إلى قربك، فاستخلف على عملك وأقدم( ), وقد رجح هذه الرواية الدكتور اليحيى في كتابه القيم مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري قال:
1- إنها من رواية مصري ثقة وهو أعلم بقطره من غيره.
2- أخرجها مؤرخ مصري.
3- خلوها من الغرائب.
4- متنها مما يتفق مع سيرة أولئك الرجال.
5- بينت تردد على في عزل قيس حتى ألح عليه الناس فاستبقاه عنده، وهكذا القائد لا يفرط بالقيادات الحاذقة وقت المحن( ).
- تعيين محمد بن أبى بكر على ولاية مصر: تدخل بعض الناس للإفساد بين على وقيس بن سعد لكي يعزله، وفي نهاية المطاف طلب بعض مستشاري على منه أن يعزل قيسًا وصدقوا تلك الإشاعات التي قيلت فيه، وألحوا في عزله، فكتب إليه على: إني قد احتجت إلى قربك فاستخلف على عملك وأقدم( ). وكان هذا الكتاب بمثابة عزل لقيس عن ولاية مصر، وقد عين على مكانه الأشتر النخعى( ), على أكثر الأقوال، وقد التقى على بالأشتر قبل سفره إلى مصر، فحدثه حديث أهل مصر وخبره خبر أهلها، وقال: ليس لها غيرك، اخرج رحمك الله فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك، واستعن بالله على ما أهمك؛ فاخلط الشدة باللين، وارفق ما كان الرفق أبلغ، واعزم بالشدة حين لا تغنى عنك إلا الشدة( ), وقد توجه الأشتر إلى مصر ومعه رهط من أصحابه، إلا أنه حينما وصل إلى أطراف (بحر القلزم)- البحر الأحمر- مات قبل أن يدخل مصر، وقد قيل إنه سقى شربة مسمومة من عسل فمات منها، وقد اتهم أناس من أهل الخراج أنهم سموه بتحريض من معاوية( ), والتهمة الموجهة إلى معاوية في قتل الأشتر بالسم لا تثبت من طريق صحيح.
واستبعد ذلك ابن كثير( ), وابن خلدون( ), وسار على نهجهما الدكتور يحيى اليحيى( ), وملت إلى هذا القول.
هذا وقد مات الأشتر قبل أن يباشر عمله في مصر، ومع ذلك فإن المصادر تتحدث عنه كأحد ولاة مصر لعلى بن أبى طالب، وقد ولى بعده على مصر محمد بن أبى بكر( ). وقد سبق لمحمد بن أبى بكر أن عاش في مصر في عهد عثمان، وتدل الروايات على أن محمد بن أبى بكر قد وصل إلى مصر قبل أن يغادرها الوالي الأول قيس بن سعد، وقد دارت محاورة بين قيس بن سعد ومحمد بن أبى بكر قدم فيها قيس عدة نصائح لمحمد، خصوصًا فيما يتعلق بالناس الغاضبين لمقتل عثمان، والذين لم يبايعوا عليًا بعده، وقد قال قيس: يا أبا القاسم إنك قد جئت من عند أمير المؤمنين وليس عزله إياي بمانعي أن أنصح لك وله، وأنا من أمركم هذا على بصيرة، ودع هؤلاء القوم ومن انضم إليهم- يقصد الذين لم يبايعوا عليًا ولا غيره – على ما هم عليه، فإن أتوك فاقبلهم وإن تخلفوا عنك فلا تطلبهم، وأنزل الناس على قدر منازلهم وإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإن هذا لا ينقصك( ).
وقد حمل محمد معه عهدًا من على رضي الله عنه فقرأه على أهل مصر وخطبهم( ), وقد كتب أمير المؤمنين على لمحمد بن أبى بكر كتابًا جاءه عندما ولاه على مصر، ولم يكن هذا الكتاب مقتصرًا على سياسة الولاية، بل يحوى دعوة محمد بن أبى بكر الصديق إلى الله، ومما جاء في هذا الكتاب: واعلم يا محمد أنك وإن كنت محتاجًا إلى نصيبك من الدنيا، إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن عرض لك أمران: أحدهما للآخرة والآخر للدنيا، فابدأ بأمر الآخرة، ولتعظم رغبتك في الخير، ولتحسن فيه نيتك، فإن الله عز وجل يعطي العبد على قدر نيته، وإذا أحب الخير وأهله ولم يعمله كان- إن شاء الله- كمن عمله، فإن رسول الله× قال حين رجع من تبوك: «إن بالمدينة لأقوامًا ما سرتم من مسير، ولاهبطتم من واد إلا كانوا معكم، ما حبسهم إلا المرض. يقول: كانت لهم نية»( ) , ثم اعلم يا محمد أني قد وليتك أعظم أجنادي: أهل مصر ووليتك ما وليتك من أمر الناس، فأنت محقوق أن تخاف فيه على نفسك وتحذر فيه على دينك، ولو كان ساعة من نهار، فإن استطعت أن لا تسخط ربك لرضا أحد من خلقه منه، فاشتد على الظالم، ولِنْ لأهل الخير وقربهم إليك واجعلهم بطانتك، وإخوانك، والسلام( ).
وبدأ محمد بن أبى بكر يمارس ولايته، وقد مضى الشهر الأول من ولايته بسلام، إلا أن الأمور بدأت تتغير بعد ذلك، فلم يعمل محمد بنصيحة قيس بن سعد، وبدأ يتحرش بأولئك الأقوام الذين لم يبايعوا عليًا، فكتب إليهم يدعوهم إلى المبايعة فلم يجيبوه، فبعث رجالاً إلى بعض دورهم فهدموها ونهب أموالهم وسجن بعض ذراريهم، فعملوا على محاربته( ), ثم إن معاوية أعد جيشًا بقيادة عمرو بن العاص فغزا به مصر، وتحالف مع من قاتلهم محمد بن أبى بكر، وكانت قوتهم كبيرة تصل إلى عشرة آلاف مقاتل وفيهم مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج( ) ووقعت بينهم وبين محمد بن أبى بكر معارك قوية انتهت بمقتل محمد بن أبى بكر واستيلاء أجناد معاوية على مصر، وبذلك خرجت مصر من حكم على بن أبى طالب رضي الله عنه سنة ثمان وثلاثين للهجرة( ), وقد انفرد أبو مخنف الشيعي الرافض برواية مفصلة ذكرها الطبري( ), شوهت كثيرًا من حقائق التاريخ والتي لم يخرجها غيره ثم ذكرها بعض المؤرخين على النحو التالي:
اليعقوبي: ذكر قتال عمرو بن العاص لمحمد بن أبى بكر، وأن معاوية بن حديج أخذه وقتله ثم وضعه في جيفة حمار فأحرقه( ), وأما المسعودي( ), وابن حبان( ), فقد أشارا إلى قتل محمد بن أبى بكر ولم يذكرا التفاصيل( ), ونقل ابن الأثير( ) رواية أبى مخنف في الطبري بعدما حذف منها كتاب معاوية إلى محمد بن أبى بكر، ونص المكاتبات بين على وابن أبى بكر، وحذف رد ابن أبى بكر على معاوية وعمرو بن العاص، من رواية أبى مخنف في الطبري.
وقد ذكر النويرى نحوًا مما ذكره ابن الأثير( )، وذكر ابن كثير قريبًا مما ذكره ابن الأثير والنويرى، وأما ابن خلدون فأشار إلى معنى روايات أبى مخنف( ), واختصر ابن تغرى بردى روايات أبى مخنف( ), وكل هذه الروايات جاءت من طريق أبى مخنف وساهمت في تشويه التاريخ الإسلامي لتلك الحقبة، وتناقلها الكتاب المعاصرون دون تمحيص وساهموا في نشرها، واستقرت كثير من تلك الأكاذيب في أذهان بعض المثقفين، فأصبحت جزءًا لا يتجزأ من ضمن سلسلة المفاهيم المغلوطة التي نشروها بين الناس.
هذا وإن قتل معاوية بن حديج لمحمد بن أبى بكر قد ثبت من طريق صحيح فيما أخرجه أبو عوانة عن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة أم المؤمنين فقالت لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن حديج في غزاتكم هذه؟ فقلت: وجدناه خير أمير، ما مات لرجل منا عبد إلا أعطاه عبدًا، ولا بعير إلا أعطاه بعيرًا، ولا فرس إلا أعطاه فرسًًا، قالت: أما إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدث ما سمعت من رسول الله × يقول: «اللهم من ولى من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه»( ).
وقد اشتملت روايات أبى مخنف في تاريخ الطبري حول ولاية محمد بن أبى بكر لمصر ومقتله على جملة من الغرائب أبرزها ما يأتي:
1- ما ذكره من مبايعة أهل الشام لمعاوية بالخلافة بعد التحكيم فهذا غير صحيح، فقد نقل ابن عساكر بسند رجاله ثقات عن سعيد بن عبد العزيز التنوخى أعلم الناس بأمر الشام( ), أنه قال: كان علىٌّ بالعراق يدعى أمير المؤمنين وكان معاوية بالشام يدعي الأمير، فلما مات على دُعي معاوية بالشام أمير المؤمنين( ) , فهذا النص يبين أن معاوية لم يبايع بالخلافة إلا بعد وفاة على وإلى هذا ذهب الطبري، فقد قال في آخر حوادث سنة أربعين: وفي هذه السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيليا( ), وعلق على هذا ابن كثير بقوله: يعنى لما مات على قام أهل الشام فبايعوا معاوية على أمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع( ), وكان أهل الشام يعلمون بأن معاوية ليس كفئًا لعلى بالخلافة، ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف على رضي الله عنه، فإن فضل على وسابقته وعلمه، ودينه، وشجاعته، وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معروفة، كفضل إخوانه أبى بكر وعمر وعثمان، وغيرهم رضي الله عنهم( ), وإضافة إلى ذلك فإن النصوص تمنع من مبايعة خليفة مع وجود الأول، فقد أخرج مسلم في صحيحة عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله ×: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»( ), والنصوص في هذا المعنى كثيرة، ومن المحال أن يقدم الصحابة على مخالفة ذلك( ).
2- قوله: إن عمرو بن العاص صالح معاوية على أن له مصر طعمه ما بقى، فهذه القصة أخرجها ابن عساكر بسند فيه مجهول( ), وذكرها الذهبي بصيغة التمريض، وبالتالي تصبح ساقطة لا اعتبار لها.
3- اتهام محمد بن أبى بكر بقتل عثمان رضي الله عنه بمشاقصه، فهذا باطل، وقد جاءت روايات ضعيفة في ذلك، كما أن متونها شاذة لمخالفتها للرواية الصحيحة التي تبين أن القاتل هو رجل مصري( ), وقد ذكر الدكتور يحيى اليحيى عدة أسباب ترجح براءة محمد بن أبى بكر من دم عثمان منها:
(أ) أن عائشة، رضي الله عنها، خرجت إلى البصرة للمطالبة بقتلة عثمان ولو كان أخوها منهم ما حزنت عليه لما قتل.
(ب) لعن على رضي الله عنه لقتلة عثمان، رضي الله عنه، وتبرؤه منهم، يقتضى عدم تقريبهم وتوليهم، وقد ولى محمد بن أبى بكر مصر فلو كان منهم ما فعل ذلك.
(جـ) ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن محمد بن طلحة بن مصرف قال: سمعت كنانة مولى صفية بنت حيى قال: شهدت مقتل عثمان وأنا ابن أربع عشرة سنة، قال: هل أندى محمد بن أبى بكر شيء من دمه، فقال: معاذ الله، دخل عليه، فقال عثمان: يا ابن أخي لست بصاحبي، فخرج، ولم يند من دمه بشيء( ), ويشهد بهذا ما أخرجه خليفة بن خياط والطبري بإسناد رجاله ثقات عن الحسن البصري، وكان ممن حضر يوم الدار( ), أن ابن أبى بكر أخذ بلحيته، فقال عثمان: لقد أخذت مني مأخذًا أو قعدت منى مقعدًا ما كان أبوك ليقعده، فخرج وتركه( ), وبهذا يتبين لنا براءة محمد بن أبى بكر الصديق من دم عثمان، براءة الذئب من دم يوسف،كما تبين أن سبب تهمته هو دخوله قبل القتل( ), وقد ذكر ابن كثير – رحمه الله – أنه لما كلمه عثمان- رضي الله عنه – استحى، ورجع وتندم، وغطى وجهه وحاجز دونه فلم تفد محاجزته( ).
(د) ما ورد من تخويف معاوية بن أبى سفيان (رضي الله عنه) لمحمد بن أبى بكر بالمثلة، وما ذكر من جعل محمد بن أبى بكر في جيفة حمار وإحراقه، كل هذا لا يستقيم مع أحكام الشرع في القتلى، فقد ورد الزجر عن التمثيل بالكفار فكيف بالمسلمين، أخرج مسلم في صحيحة أن رسول الله × كان إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اعزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا( ), وقال الشافعي: وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم، قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك، أي أن لا يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن، ولا تحريق، ولا تغريق ولا شيء يعدو ما وصفت، لأن رسول الله × نهى عن المثلة( ), وهل يظن بالصحابة الكرام مخالفة هذا، وهم كما وصفهم ابن مسعود: خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ×، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد ×، كانوا على الهدى المستقيم ورب الكعبة( ), وقال عنهم ابن أبى حاتم: ندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجري على مناهجهم، والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم قال: +وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"( ) [النساء:115].
وأصح رواية جاءت في إحراقه ما أخرجه الطبراني عن الحسن البصري قال: أخذ هذا الفاسق محمد بن أبى بكر في شعب من شعاب مصر فأدخل في جوف حمار فأحرق( ), وهذا الرواية مرسلة إذ إن الحسن لم يشهد الحادثة، ولم يسم لنا من نقل عنه، إضافة إلى أن النص لم يذكر من قام بإحراقه، وأيضا ما كان الحسن أن يرميه بالفسق وهو يعلم ثناء على رضي الله عنه عليه وتفضيله له( ).
(هـ) ما ذكره من قوله (على رضي الله عنه)، الفاجر ابن الفاجر يقصد معاوية، فهذا يستبعد صدوره من على(رضي الله عنه)، إذ إن الخلاف مع معاوية دون أبيه، وأبو سفيان، رضي الله عنه، قد أسلم وحسن إسلامه ومات قبل مقتل عثمان رضي الله عنه، فلم يدرك الفتنة( ), والله تعالى يقول: +وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" [فاطر:18]، والصحابة أعلم الناس بكتاب الله وأشدهم وقوفًا عند حدوده، فكيف ينسب لهم مثل هذا الفعل( ).
(و) ما ذكره من قول معاوية بن حديج- رضي الله عنه – لعمرو بن العاص- رضي الله عنه- لما طلب ابن أبى بكر وتلاوته لهذه الآية + أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ" [القمر:43]، فهذا يعنى تكفير محمد بن أبى بكر وغيره، وهذا لم يعرف من الصحابة وما كان بينهم لم يصل إلى درجة التكفير، وقد وضح سعد بن أبى وقاص، رضي الله عنه، هذا بقوله: «إن ما بيننا لم يبلغ ديننا»( ), وأيضًا فإن معاوية بن حديج من جند عمرو بن العاص، رضي الله عنه، وما كان له أن يرفض طلب قائده( ).
(ز) ما أورده من قول محمد بن أبى بكر أن عثمان عمل بالجور ونبذ حكم الكتاب لم أقف له على أصل يثبت صحة نسبته إلى ابن أبى بكر، أما إظهار براءة عثمان، رضي الله عنه، من ذلك فأشهر من أن تذكر( ), وقد توسعت فيها في كتابي «تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان».
ثامنًا: ولاية البصرة:
أرسل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه عثمان بن حنيف الأنصاري أميرًا على البصرة بدلاً من عبد الله بن عامر واليها السابق الذي تركها واتجه إلى مكة المكرمة، وقد كان عثمان بن حنيف الأنصاري صاحب خبرة في المنطقة؛ إذ سبق أن عينه عمر على مسح (السواد) وتقدير الخراج فيه( ), وقد سار عثمان بن حنيف إلى البصرة ودخلها بسلام، إلا أن أهل البصرة انقسموا ثلاث فرق، فرقة بايعت ودخلت في الجماعة، وفرقة اعتزلت وقالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنعه، وفرقة رفضت الدخول في البيعة( ).ولم يلبث عثمان بن حنيف طويلاً في الولاية، فقد قدم إلى البصرة جيش طلحة والزبير وعائشة قبل معركة الجمل ومعهم ممن خرج للمطالبة بدم عثمان، وتطورت الأمور وحدث قتال، وخرج عثمان بن حنيف إلى بن أبى طالب رضي الله عنه فلقيه في طريقه إلى البصرة قبيل وقعة الجمل، وبذلك انتهت ولاية عثمان بن حنيف، وقد وصل على بن أبى طالب إلى البصرة ومكث فيها بعضًا من الوقت حدثت في أثنائه وقعة الجمل- التي سيأتي تفصيلها بإذن الله تعالى – وعندما أراد على بن أبى طالب الخروج من البصرة ولى عبد الله ابن عباس، رضي الله عنه، وقد ولى علىٌّ مع عبد الله بن عباس زياد بن أبيه على الخراج، وأمر ابن عباس أن يستشيره ويأخذ برأيه نظرًا لما وجد على عنده من خبرة في العمل وفطانة في السياسة( ). وقدم على بعض النصائح لابن عباس منها قوله: «أوصيك بتقوى الله عز وجل والعدل على من ولاك الله أمره، اتسع للناس بوجهك وعلمك وحكمك، وإياك والإحن( ), فإنها تميت القلب والحق، واعلم أن ما قربك من الله بعدك من النار، وما قربك من النار بعدك من الله، واذكر الله كثيرًا ولا تكن من الغافلين( ). وقد بدأ ابن عباس يمارس عمله في ولايته وهو صحابي عرف بعلمه الواسع في الفقه والتفسير، وقد أثبت مهارة إدارية بتوطيد الأمن في سجستان وهي تابعة لولاية البصرة، وفي إقليم فارس حيث عين زياد بن أبى سفيان واليًا عليه، كما أنابه حين خرج من البصرة فتمكن من ضبط الأمن فيها، ويعتبر عبد الله بن عباس من أهم رجالات أمير المؤمنين على، وكان يرافقه في الأحداث الخطيرة، وينصح له ويجادل عنه، وكان أمير المؤمنين على يعتمد عليه ويستشيره، وقد استمرت ولاية ابن عباس على البصرة حتى 39هـ، وكان يعاونه صاحب الشرطة وصاحب الخراج، وقد استمر ابن عباس في بعض الروايات على البصرة حتى مقتل على، قال الطبري في حوادث سنة 40هـ: فيها خرج
عبد الله بن عباس من البصرة، ولحق بمكة في قول عامة أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم وزعم أنه لم يزل بالبصرة عاملاً عليها من قبل أمير المؤمنين على رضي الله عنه حتى قتل، وبعد مقتل على صالح الحسن معاوية، ثم خرج إلى مكة( ).
إن شخصية ابن عباس كانت شخصية قيادية جمعت صفات القائد الرباني، من العلم والفطنة والذكاء والصبر، والحزم، وغيرها من الصفات إلا أنه أشتهر بالفقه والعلم بسبب دعاء رسول الله × له بالفقه في الدين والعلم بالتأويل، وأخذه عن كبار الصحابة، وقوة اجتهاده وقدرته على الاستنباط، واهتمامه بالتفسير، ومنهجه المتميز في تعليم أصحابه، وحرصه على نشر العلم، ورحلاته وأسفاره، وتأخر وفاته وقرب منزلته من عمر، رضي الله عنه( ), فقد حظي بعناية خاصة من الفاروق عندما لمس فيه مخايل النجابة والذكاء والفطنة، فكان يدنيه من مجلسه، ويقربه إليه، ويشاوره، ويأخذ برأيه فيما أشكل من الآيات، وابن عباس مازال شابًا غلامًا، فكان لذلك الأثر البالغ في دفعه وحثه على التحصيل والتقدم، بل والإكثار في باب التفسير وغيره من أبواب العلم، فعن عامر الشعبي عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: قال لي أبى: يا بنى إني أرى أمير المؤمنين يقربك، ويخلو بك، ويستشيرك مع أناس من أصحاب رسول الله، فاحفظ عنى ثلاثًا: اتق الله ولا تفشين له سرًا، ولا يجربن عليك كذبة، ولا تغتابن عنده أحدًا( ), وكان عمر يدخله مع أكابر الصحابة، وما ذلك إلا لأنه وجد فيه قوة الفهم وجودة الفكر، ودقة الاستنباط، وقد قال ابن عباس، رضي الله عنهما: كان عمر يسألني مع أصحاب محمد ×، فكان يقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا، فإذا تكلمت قال: غلبتموني أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه( ), وكان ابن عباس لشدة أدبه، إذا جلس في مجلس فيه من هو أسن منه لا يتحدث إلا إذا أُذن له، فكان عمر يلمس ذلك منه فيحثه، ويحرضه على الحديث تنشيطًا لنفسه، وتشجيعًا له في العلم( ). وكان لعمر، رضي الله عنه، مجلس يسمع فيه الشباب ويعلمهم، وكان ابن عباس من المقدمين عند عمر، فعن عبد الرحمن بن زيد قال: كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إذا صلى السبحة وفرغ دخل مربدًا له( ), فأرسل إلى فتيان قد قرءوا القرآن منهم ابن عباس، قال: فيأتون فيقرؤون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرفنا، قال: فمروا بهذه الآية:+وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ? وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [البقرة:206، 207]، فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جانبه: اقتتل الرجلان: فسمع عمر ما قال، فقال: وأي شيء قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين، قال: ماذا قلت؟ اقتتل الرجلان؟ قال: فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى هاهنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله فإذا لم يقبل، وأخذته العزة بالإثم قال هذا: وأنا أشرى نفسي، فاقتتل الرجلان، فقال عمر: لله تلادك يا ابن عباس( )، وكان عمر، رضي الله عنه، يسأل ابن عباس عن الشيء من القرآن ثم يقول: غص غواص( ), بل كان إذا جاءته الأقضية المعضلة يقول لابن عباس: يا ابن عباس قد طرأت علينا أقضية عضل، وأنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ برأيه، وما كان يدعو لذلك أحدًا سواه إذا كانت العضل( ), وعن سعد بن أبى وقاص قال: ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا ألب لبًا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار( ), وكان عمر يصفه بقوله: ذاكم فتى الكهول، إن له لسانًا سؤولاً، وقلبًا عقولاً( ), يقول طلحة بن عبيد الله: ما كنت أرى عمر بن الخطاب يقدم على ابن عباس أحدًا( ), وكان ابن عباس، رضي الله عنه، كثير الملازمة لعمر، حريصًا على سؤاله والأخذ عنه، ولذا كان رضي الله عنه من أكثر الصحابة نقلاً ورواية لتفسير عمر وعلمه- رضي الله عنه -، وقد أشار بعض أهل العلم إلى أن عامة علم ابن عباس أخذه عن عمر، رضي الله عن الجميع( ), لقد كان اهتمام عمر به مساعدًا له على المضي قدما في طريق العلم عامة والتفسير خاصة( ), ولذلك تشرفت المدرسة المكية في عهد التابعين بحبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما( ), وكان ابن عباس في عهد عثمان من المقربين إلى الخليفة، وقد كلفه بالحج بالناس في العام الذي قتل فيه( ), هذا وقد عمل بعض المتأثرين بمدرسة الاستشراق بتشويه صورة حبر الأمة ونسبوا إليه أباطيل وأكاذيب ألصقوها بسيرته، علمًا بأن مدرسة الاستشراق فيما يتعلق بالعهد الراشدى وتاريخ صدر الإسلام امتداد لمؤرخي الرفض والشيعة الغلاة الذين اختلقوا الروايات والأخبار، ولطخوا بها سيرة الصحابة الكرام، فجاء مؤرخو الاستشراق وأحيوا تلك الأخبار الكاذبة، والروايات الموضوعة، وصاغوها بأسلوب حديث ويرفعون شعار الموضوعية والبحث العلمي، وكل هذا كذب وزور، وقد تأثر به الكثير من الباحثين والأدباء والمؤرخين، ولذلك تجد في كتب التاريخ والأدب المعاصر البعيدة عن منهج أهل السنة والموغلة في مناهج المستشرقين، تشويهًا عجيبًا للصحابة، فمثلا: زعمت تلك الكتب أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه نهب أموال المسلمين بالبصرة، وغدر بابن عمه على رضي الله عنه، وهرب بالأموال المسروقة إلى مكة، وتطلع للانضمام إلى معاوية( ) بعد أن كان مع على، ذكر ذلك دون حياء صاحب كتاب الفتنة الكبرى (على وبنوه) الدكتور طه حسين والعبارات التي وردت على لسان طه حسين في كتابه (على وبنوه):
1- قال: وكان لابن عباس من العلم بأمور الدين والدنيا، ومن المكانة في بنى هاشم خاصة وفي قريش عامة، وفي نفوس المسلمين جميعًا، ما كان خليقًا أن يعصمه من الانحراف عن ابن عمه( ).
2- قال: رأى ابن عباس نجم ابن عمه في أفوال، ونجم معاوية في صعود، فأقام في البصرة يفكر في نفسه أكثر مما يفكر في ابن عمه( ).
3- قال: ولو نسي ابن عباس نفسه قليلاً! ولكنه لم يضعها بحيث كان يجب عليه أن يضعها منذ قليل، أن يكون واليًا لعلى على مصر من أمصار المسلمين( ).
وغير ذلك من الأكاذيب والترهات التي اعتمد قائلوها على الروايات الضعيفة والموضوعة، ويكفى شرفًا لابن عباس دعاء رسول الله × له: «اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين»( ).
هذا، وقد بدأ ابن عباس يمارس عمله في ولايته على البصرة بعد خروج على من البصرة إلى الكوفة، ولحق ابن عباس بعلي قبيل صفين واستخلف على البصرة زياد بن أبيه( ), وفي أثناء ولاية ابن عباس على البصرة قام بالعديد من الأعمال أهمها ترتيب (سجستان) بعد أن قتل واليها على يد مجموعة من الخوارج، حيث بعث إليها ابن عباس بأمر من على مجموعة من أجناد البصرة تمكنوا من قتل الخوارج فيها وترتيب أمورها وتأمين أهلها سنة 36هـ( ), كما كان لابن عباس ولأجناد البصرة دور مع على بن أبى طالب في معركة صفين( ), كما قام ابن عباس بتنظيم شئون بعض الأقاليم التابعة لولايته وعين عليها الأمراء من قبله، حيث وجه إلى فارس زياد بن أبيه فرتبها، واستطاع أن ينظم أمورها ويؤدب أهلها بعد عصيانهم( ), وفي أيامه غدر أهل اصطخر فقام بغزوهم وتأديبهم( ), وفي سنة 38هـ أرسل معاوية بن أبى سفيان رجلاً إلى البصرة ليدعو له بين أهلها، إلا أن زياد بن أبيه نائب ابن عباس على البصرة تمكن من مقاومته ومدافعته حتى قتل الرجل في إحدى دور البصرة( ), وكان ابن عباس يرافق عليًا في كثير من تحركاته في نواحي العراق، وإذا وقعت بعض الأشياء وابن عباس في البصرة كان على يطلعه عليها بالكتب التي كان يرسلها إليها باستمرار ويأخذ رأيه في كثير من القضايا عن طريق المراسلة، كما كان ابن عباس أيضًا يكتب لعلى عن شئون ولايته، كما بعثه على سنة38هـ على الحج نيابة عنه، وقد استمر ابن عباس في ولاية البصرة إلى استشهاد على أخذًا برأي الطبري في ذلك، وقد وجد مجموعة من المساعدين لوالى البصرة أيام على فيهم القاضي وصاحب الشرطة، وصاحب الخراج وغيرهم، كما كانت تتبع ولاية البصرة مجموعة من الأقاليم في بلاد فارس.
ومما سبق يتبين لنا أن على بن أبى طالب بعد مبايعته بادر إلى عزل ابن عامر، والى عثمان على البصرة، وعين مكانه عثمان بن حنيف، ولكن حملة الجمل أحدثت ارتباكًا في البصرة، وبالتالي خرجت من سيطرة عثمان بن حنيف، فاضطر إلى مغادرتها حتى قدم على، وبعد موقعة الجمل عمل علىٌّ على تنظيم أمورها( ). كما وقعت بعض الاضطرابات في البصرة من جراء حركة الخوارج، وكذلك أثناء محاولة معاوية السيطرة عليها، إلا أن البصرة مع ذلك استمرت إحدى الولايات الإسلامية التابعة لخلافة على طيلة عصره، ولم يتمكن خصومه من السيطرة عليها( ), وبرزت في البصرة قدرات ابن عباس القيادية، وقد انتفع بصحبته لعلى رضي الله عنهما وتأثر به غاية التأثر، وكان أمير المؤمنين على يتعهده بالنصح والإرشاد والموعظة بين الحين والآخر، حتى أن ابن عباس قال: ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله × كانتفاعي بكتاب كتب به إلىّ على بن أبى طالب رضي الله عنه، فإنه كتب إلىَّ: أما بعد فإن المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، ويسره درك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحًا، وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنًا، وليكن همك فيما بعد الموت( ).
وقد كان ابن عباس من أهل القيام، فعن ابن مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلى ركعتين، فإذا ترك، قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفًا حرفًا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب( ), وقد كان رضي الله عنه غزير الدمعة حتى أثر ذلك على خديه، فعن أبى رجاء، قال: رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء( ), وكان رضي الله عنه يصوم الاثنين والخميس، فعن سعيد بن أبى سعيد، قال: كنت عند ابن عباس، فجاء رجل، فقال: يا ابن عباس، كيف صومك؟ قال: أصوم الاثنين والخميس، قال: ولم؟ قال: لأن الأعمال ترفع فيهما، فأحب أن يرفع عملي، وأنا صائم( ), وكان كريما جوادًا يحفظ لأهل السبق مكانتهم ومنزلتهم، فقد تعرض أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه لأزمة مالية وأثقلته الديون، فنزل على ابن عباس، ففرغ له بيته، وقال: لأصنعن بك كما صنعت برسول الله ×، ثم قال: كم دينك؟ قال: عشرون ألفًا فأعطاه أربعين ألفًا، وعشرين مملوكًا، وكل ما في البيت( ).
وكان من أبلغ الناس وله قدرة عجيبة على تفهيم المستمعين، فعن الأعمش قال: حدثنا أبو وائل قال: خطبنا ابن عباس، وهو أمير على الموسم، فافتتح سورة النور، فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثل هذا، لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت( ), وكان رضي الله عنه من أجمل الناس وأفصح الناس، وأعلم الناس، فعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، فإذا نطق، قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث، قلت: أعظم الناس( ), وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلاً قط( ), وقد أصيب رضي الله عنه ببصره قبل وفاته وقد قال في ذلك شعرًا:
إن يأخذ الله من عيني نورهما
ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل
وفي فمي صارم كالسيف مأثور( )

وهو أحد المؤثرين في الأحداث في عهده، وهو باختصار من أفضل النماذج لورثة الأنبياء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:20 am

تاسعًا: ولاية الكوفة:
استشهد عثمان رضي الله عنه وواليه على الكوفة أبو موسى الأشعري، وبعد مبايعة على بالخلافة أقر أمير المؤمنين علىٌّ أبا موسى الأشعري على ولايته، وقد أخذ له البيعة من أهلها، وكتب له بموقف أهل الكوفة من بيعته، من حيث تقبل الكثير للبيعة( ), وعندما خرج أمير المؤمنين من المدينة للعراق كان يسأل عن أبى موسى خصوصًا، ففي أثناء الطريق إليها لقيه رجل من أهل الكوفة، فسأله على عن أبى موسى فقال: إن أردت الصلح فأبو موسى صاحب ذلك، وإن أردت القتال، فأبو موسى ليس بصاحب ذلك، قال: والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يرد علينا، قال: قد أخبرتك الخبر( ), وقد تبين فيما بعد ميل أبى موسى إلى الصلح والمسالمة وعدم القتال بين المسلمين، فقد بعث على محمد بن أبى بكر وعمار بن ياسر والحسن بن على وغيرهم في وفود مختلفة لاستنفار أهل الكوفة قبل موقعة الجمل – سيأتي الحديث عنها بالتفصيل لاحقًا إن شاء الله تعالى – فسأل أهل الكوفة أبا موسى عن الموقف واستشاروه في الخروج: فقال: أما سبيل الآخرة فأن تقيموا، وأما سبيل الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم( ), وقد اقتنع العديد من أهل الكوفة بعد ذلك بالخروج مع الحسن، رضي الله عنه، بعد محاورات متعددة وطويلة بينهم وبين الحسن، وقيل إنه خرج معه قرابة تسعة آلاف رجل( ), وتميل العديد من الروايات إلى أن ولاية أبى موسى على الكوفة قد انتهت في هذه الفترة قبيل موقعة الجمل، حيث تذكر بعض الروايات أن الأشتر «وكان أحد قواد على» قد طرد أبا موسى وغلمانه من قصر الكوفة وتغلب عليه( ), كما ذكرت بعض الروايات أن عليًا كتب إلى أبى موسى بعزله، وعين مكانه «قرضة بن كعب الأنصاري» واليًا على الكوفة( ), ثم إن على بن أبى طالب رضي الله عنه قدم الكوفة بعد موقعة الجمل حيث أصبحت الكوفة قاعدة الخلافة، وبالتالي كان على رضي الله عنه هو المسئول مباشرة عن أحوال الكوفة وما يتبعها من ولايات، وأصبح لها مكانة خاصة بقية عصره، حيث كانت عاصمة الخلافة ومنها يدير أمير المؤمنين علي مختلف أنحاء الدولة، وإليها تقدم الوفود، ومنها تخرج الأجناد، كما كان ذلك سببًا في جذب السكان إليها، ولا شك أن هذا كان له دور كبير في تنشيط الحركة التجارية والعمرانية في الكوفة طيلة خلافة على. وقد كان رضي الله عنه كثير الاهتمام بالكوفة ويتفقد أهلها بنفسه، كما يحرص على تعيين من ينوب عنه في ولايتها في حال غيابه، فحينما أراد على الخروج إلى صفين ولى على الكوفة «أبا مسعود البدرى»( ) وحينما أراد التوجه لقتال الخوارج في «النهروان»( ), ولى على الكوفة «هاني بن هوذة النخعي»( ), فلم يزل بالكوفة حتى استشهد على( ) رضي الله عنه.
ومما سبق نلاحظ أن الكوفة كانت تدار من قبل الولاة، حتى إذا تخذها على رضي الله عنه مقرًا للخلافة أصبح هو المسئول عن ولايتها، وأخذ ينيب عنه من يتولى شئونها في غيابه، وأصبحت الكوفة ذات أهمية خاصة نظرًا لإقامة أمير المؤمنين فيها( ).
عاشرًا: ولايات الشرق:
1- فارس: تذكر المصادر أن على بن أبى طالب ولى على فارس سهل بن حنيف الأنصاري، رضي الله عنه، وقد استمر واليًا على فارس فترة من الوقت، ثم إن أهل فارس عصوا وأخرجوا سهل بن حنيف سنة 37هـ تقريبًا، فاتصل على رضي الله عنه بابن عباس، وتباحث معه في شأن فارس، وكان ابن عباس على البصرة، فاتفق معه بعد استشارة مجموعة من الناس على أن يبعث ابن عباس مساعده زياد بن أبى سفيان على فارس( ), وهنا يبدو الارتباط واضحًا بين ولاية البصرة وإقليم فارس، وإحساس ابن عباس بمسئوليته عن ذلك الإقليم من خلال مباشرته لولاية البصرة، إذا اتفق ابن عباس مع عليٍّ على بعث أحد معاونيه إلى ذلك الإقليم لضبطه وترتيب أموره، وقد توجه زياد إلى فارس يصاحبه أربعة آلاف جندي، فدوخ تلك البلاد وقضى على الفتنة فيها وتمكن من ضبطها( ), وقد اشتهر زياد بمقدرة سياسية فذة مكنته من إعادة الاستقرار إلى تلك البلاد بأقل الخسائر( ), يقول الطبري: لما قدم زياد فارس بعث إلى رؤسائها فوعد من نصره ومناه، وخوف قومًا وتوعدهم وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضًا، وصفت له فارس فلم يلق فيها حميًا ولا حربًا، وفعل مثل ذلك بكرمان( ), ثم رجع إلى فارس فسار في كورها ومناهم فسكن الناس إلى ذلك فاستقامت له البلاد( ), وقد قام زياد بتنظيم أمور فارس، وبنى فيها بعض الحصون، وقام بترتيب شئون الخراج فيها، كما ضبط العديد من البلدان التابعة لولايته حتى أمنت البلاد واستقامت( ), وقد استمر زياد واليًا على فارس بقية خلافة على رضي الله عنه، وكان زياد أشهر ولاة علىًّ على فارس نظرًا لسياسته وتمكنه من ضبطها( ).
وقد وجدت بعض التقسيمات الإدارية داخل إقليم فارس، فقد ورد ذكر بعض الولاة المختصين ببلدان معينة داخل الإقليم، فقد ذكرت اصطخر، وذكر أنه كان من ولاتها المنذر بن الجارود( ), وجرت بينه وبين على بعض المكاتبات( ), كما أن زياد بن أبى سفيان سكنها وتحصن بها بعد مقتل على رضي الله عنه( ), كما ذكرت من بلدان فارس أصبهان التي تعد من أكبر كورها( ), وقد ذكر من ولاتها لعلى محمد بن سليم( ), كما كان من أشهر ولاة أصبهان لعلى «عمر بن سلمة» وقد قدم بأموال وطعام من أصبهان إلى أمير المؤمنين على بن أبى طالب( ), وقد ضربت الدراهم زمن على في هذه المناطق الفارسية سنة 39هـ، ولا يزال بعض منها محفوظًا في المتحف العراقي وتحمل عبارات عربية، إضافة إلى تاريخ ضربها( ).
2- خراسان: تعتبر خراسان ولاية واسعة، وقد ارتبطت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بولاية البصرة في عهد الخلفاء الراشدين، وفي خلافة على رضي الله عنه ورد ذكر العديد من الحوادث التي وقعت في هذه الولاية خلال تلك الفترة، كما ورد ذكر بعض ولاتها، وبعض الأمراء على كورها وبلدانها، فقد ورد أن أول ولاة علىّ على خراسان عبد الرحمن بن أبزى( ), كما كان من ولاة على إلى خراسان جعدة بن هبيرة بن أبى وهب( ), وقد بعثه على رضي الله عنه إلى خراسان، بعد عودته من صفين سنة 37هـ، وكان أهل خراسان قد ارتدوا فحاول تأديبهم وتنظيم البلاد مرة أخرى( ), إلا أنه – على ما يبدو- لم ينجح، فبعث على أحد قواده إلى خراسان، حتى تمكن من مصالحة أهلها، وضبط أمورها مرة أخرى( ).
كما تعد سجستان أحد الأقاليم المجاورة لخراسان، وكلا الإقليمين مرتبطان إلى حد ما بوالي البصرة، وفي الغالب فإن هناك ارتباطًا إداريًا بين الإقليمين، وقد ورد ذكر بعض ولاة سجستان في عهد على بن أبى طالب رضي الله عنه، ومن هؤلاء عبد الرحمن بن جزء الطائي( ), وقد بعثه على رضي الله عنه إلى سجستان بعد موقعة الجمل، فقام ثوار من صعاليك العرب بقتله، وعاثوا فسادًا في البلد، فكتب على إلى ابن عباس في البصرة أن يوجه أميرًا آخر إلى سجستان، فوجه ربعي بن كأس العنبري، فاستطاع القضاء على ثورة الصعاليك، وقتل زعيمهم وضبط أمور البلاد، واستقر بها إلى أن استشهد على بن أبى طالب رضي الله عنه( ).
وكانت همذان: أحد الثغور الشرقية، وقد امتازت أثناء ولاية عثمان بوجود وال مستقل فيها، وتوفى عثمان وعليها جرير بن عبد الله البجلى، وبعد مبايعة على بالخلافة ووصوله إلى العراق بعث إلى جرير بن عبد الله في همذان يأمره بأخذ البيعة له بالخلافة على من قبله من الناس والقدوم إليه( ), وبعث بالرسالة مع رجل يعتمد عليه وقال: إني بعثت إليك بفلان، فاسأله عما بدا لك واقرأ كتابي هذا على المسلمين( ), وقد قدم جرير إلى على في الكوفة فبعثه إلى معاوية في الشام، ثم عاد مرة أخرى وتعرض للإهانة من قبل بعض أجناد على، ومنهم الأشتر وغيره، فلحق جرير بمعاوية في الشام، وترك ولايته، وكان ذلك قبيل موقعة صفين( ).
3- أذربيجان: كان الأشعت بن قيس عاملاً على أذربيجان حينما توفى عثمان بن عفان، فلما بويع على بن أبى طالب بالخلافة كتب إلى الأشعت بن قيس أن يبايع له، وأن يأخذ له البيعة على من قبله( ), ويبدو أن عليًا رضي الله عنه استقدم الأشعت بن قيس فلحق بعلي في الكوفة، ثم شهد معه المشاهد حيث اشترك معه في صفين( ), وفي قتال الخوارج، ويبدو أن عليا رضي الله عنه ولى على أذربيجان خلال هذه الفترة سعيد بن سارية الخزاعى، ثم أعاد الأشعت بن قيس مرة أخرى على أذربيجان، ويظهر أن عليًا ضم إليه ولاية أرمينية، كما صرح بذلك البلاذرى( ), وقد كانت للأشعت بن قيس بعض الأعمال المهمة أثناء ولايته أذربيجان لعلى، ومن ذلك إنزاله مجموعة من العرب من أهل العطاء أرديبل( ), وتمصيرها وبناء مسجدها بعد أن انتشر الإسلام بين أهلها( ), وقد وردت بعض الأسماء لولاة على في بعض بلدان المشرق الأخرى، من ذلك أسماء بعض الولاة في الأهواز، ومنهم الخريت بن راشد، وقد كان واليًا على بعض بلاد الأهواز قبل صفين، فلما رجع على من صفين أخذ الخريت يجمع الجنود، ويدعو إلى خلع على، واستولى على بعض الأماكن فبلغ ذلك عليًا فوجه إليه جيشًا تمكن من القضاء على حركته وقتله( ), وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل بإذن الله تعالى.
ومن الأمراء لعلى في الأهواز مصقلة بن هبيرة الشيباني( ), وقد اشترى أسرى من بعض أجناد على فأعتقهم، ولم يتمكن من تسديد كامل ثمنهم، ثم فر إلى معاوية في الشام( ), وقد أورد خليفة بن خياط واليًا لعلى على بلاد السند، وذكر أنه جمع جمعًا أيام على وتوجه إلى السند، بعد أن اجتمع إليه الناس، ولكنه فشل في إحدى المعارك ومن معه، ولم يبق من جيشه إلا عصابة( ) بسيرة، كما ذكر في ولاة على (يزيد بن حجية التميمي) وقد استعمله علىٌّ على «الري» بعد صفين، ثم اتهمه على رضي الله عنه بأنه أخذ من الخراج فحبسه في الكوفة، ثم فر إلى معاوية في الشام( ), وأما المدائن فقد كان عليها سعد بن مسعود الثقفي، وقد كان له دور رئيسي في مجابهة الخوارج، ودارت بينه وبين على وقواده العديد من المراسلات في شأنهم، حيث حاولوا الوصول إلى المدائن( ), وقد اشتهر عن سعد توليته ابن أخيه- المختار بن أبى عبيد الثقفي( ) – على المدائن في حالة غيابه، وقد غضب علي على المختار الثقفي نتيجة تصرفه تصرفًا غير شرعي في أموال الخراج( ), ويعتبر سعد من قواد على المشهورين، ولعل قرب ولايته من الكوفة كان السبب الرئيسي في اشتراكه مع على في الكثير من المواقع، وقد أورد المؤرخ أبو حنيفة الدينورى بعض الأسماء لولاة على في مناطق مختلفة( ).
وهكذا رأينا فيما سبق أن على بن أبى طالب رضي الله عنه بذل جهدًا كبيرًا في تنظيم الولايات، وأنه عانى من الصعوبات والمشكلات الكثيرة في هذه الولاية، فقد خرجت العديد من الولايات من يده كاليمن والحجاز ومصر، كما أنه لم يفرض سيطرته ابتداء على بعض الولايات كالشام وفلسطين وما جاورها، وأما البلاد والولايات التي استمرت تحت حكمه كالعراق وفارس فقد عانى فيها من المشكلات الكثيرة وعلى رأسها مشكلة الخوارج الذين ظهروا في تلك المناطق، خصوصًا في السنوات الأخيرة من حكم على، وبالتالي فإن الاستقرار في تلك المناطق لم يكن تامًا، كما أن أهل البلاد الأصلين في بلاد المشرق كفارس وخراسان وسجستان قاموا بالعديد من الثورات التي قتل فيها بعض ولاة على، ومن أبرز المشكلات التي واجهها على ما وقع له من خلاف مع بعض الولاة، وبالتالي تخلوا عن ولاياتهم، كجرير بن عبد الله في همذان، ومفضلة بن هبيرة في الأهواز وغيرهما، وهكذا يتضح أن عليًا رضي الله عنه قضى مدة خلافته في جهاد داخلي مع جبهات داخلية منعته في كثير من الأحيان من تنظيم شئون تلك البلاد كما أراد، وواجهته العديد من العقبات التي بددت طاقته، واستنفدت جهوده رضي الله عنه، وقد شغلت هذه المشكلات اهتمام المؤرخين فركزوا عليها الأضواء، وكان هذا على حساب رصدهم للشئون التنظيمية والإدارية لهذه الولايات( ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:22 am

المبحث الثاني
تعيين الولاة في عهد على رضي الله عنه
بويع على بالخلافة بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، وقد وقع الاضطراب في مختلف أنحاء الدولة نتيجة مقتل عثمان، وبالتالي فإن عليًا رضي الله عنه بويع في ظروف صعبة بدأت الدولة الإسلامية خلالها تفقد الشيء الكثير من استقرارها ونشاطها، وقد ظهر هذا الاضطراب واضحًا في المدينة نفسها، وقد بدأت الأمور تضطرب في مختلف أنحاء الدولة، وأحس المستشارون والنصحاء بخطورة ما يقع، فتقدم بعضهم بنصائح إلى على فيما يمكن أن يفعله من البداية وخصوصًا فيما يتعلق بالولاة على البلدان( ).
أولاً: موقف على من ولاة عثمان وتعيينه لأقاربه:
1- موقف على من ولاة عثمان: كان أمير المؤمنين على رضي الله عنه يدرك إدراكًا كاملاً، أن من الأسباب الرئيسية للفتنة، عدم رضا مجموعة من الناس عن ولاة عثمان، رضي الله عنه، وذلك بسبب ما أشاعه رؤوس الفتنة ضد عثمان وولاته، وليس لعجزهم أو ظلمهم، ولكن الكثير من الكتاب المعاصرين في حديثهم عن سياسة على في تولية الولاة، يستفتحون بقولهم: إن عليًا لم يكن ليرضى أن يبقى عمال عثمان على ولايتهم ساعة واحدة بعد توليه الخلافة، يمنعه من ذلك دينه وأمانته( ), وما أفظع هذا الاتهام الموجه ضد عثمان، رضي الله عنه، وضد عماله، وقد نسفته في كتابي تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان، وتحدثت عن حقيقة ولاة عثمان في مبحث كامل( ), فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
لقد اعتمد من طعن في ولاة عثمان على روايات واهية ومشهورة وهي:
أ- الرواية الأولى: من طريق الواقدى: أن ابن عباس قال: دعاني عثمان فاستعملني على الحج ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلىّ، فأتيته في داره، فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليًا به فحبسني حتى خرج من عنده، فقلت: ماذا قال هذا؟ قال: قال لي قبل مرته هذه: أرسل إلى عبد الله بن عامر، وإلى معاوية، وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم، يبايعون لك الناس، فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس، فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى، قال: ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أنه مخطئ ثم عاد إلىّ الآن فقال: إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه، ثم رأيت بعد ذلك رأيًا، وأنا أرى أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به، فقد كفى الله، وهم أهون شوكة مما كان، قال ابن عباس: فقلت لعلى: أما المرة الأولى فقد نصحك وأما المرة الأخيرة فقد غشك، قال لي على: ولو نصحني؟ قال ابن عباس: لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولى الأمر، ومتى تعزلهم يقولون: أخذ هذا الأمر بغير شورى، وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك، فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك، فقال على: أما ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحهما، وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدًا أبدًا، فإن أقبلوا فذلك خير لهم، وإن أدبروا بذلت لهم السيف، قال ابن عباس: أطعني وادخل دارك والحق بمالك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنك الناس دم عثمان غدًا، فأبى على، فقال لابن عباس: سر إلى الشام فقد وليتكها، فقال ابن عباس: ما هذا برأي، معاوية من بنى أمية، وهو ابن عم عثمان رضي الله عنه وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علىّ، فقال له على: ولم؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإن كان ما حمل عليك حمل على ولكن اكتب إلى معاوية فمنَّه وعده، فأبى علىّ وقال: والله لا كان هذا أبدًا( ).



ب- الرواية الثانية: وهي مثل الرواية الأولى في المعنى، وفيها زيادة واختلاف يثير الشك في صحتها، وهو أن ابن عباس قدم مكة بعد مقتل عثمان- رضي الله عنه- فلقي في طريقه الزبير وطلحة ومعهما فئة من قريش بالنواصف( ), يريد مكة، وهذا يخالف الحقيقة، إذ إن عليًا بويع بعد أن وصل ابن عباس من الحج، وأن الزبير وطلحة قد بايعا عليًا، فإذا خرجا في هذا الوقت يكون قد خرجا قبل البيعة وهذا خطأ واضح جلي( ).
جـ- الرواية الثالثة: رواية أبى مخنف، رواها بدون إسناد، بأن المغيرة بن شعبة أشار على علىّ أن يثبت معاوية على الشام، وأن يولى طلحة والزبير البصرة والكوفة، فاعترض ابن عباس على رأيه لأن البصرة والكوفة عين المال ومصدره، فإذا ولاهما ضيَّقا على علىًّ، وأن ولاية معاوية الشام لا تنفعه وقد تضره، فاستمع على إلى رأي ابن عباس، ولم يقبل مشورة المغيرة بن شعبة( ).
د- الرواية الرابعة: وردت رواية الواقدى الأولى بشيء من الاختصار عن ابن عبد البر( ), ولكن بدل ابن عباس، الحسن( ). إن هذه الروايات يأتي خطرها من حيث إنها الأساس الذي بنيت عليه أهم الدارسات المعاصرة وخرجت منها بنتائج خطيرة تطعن في أكابر الصحابة أهل الشورى، في دينهم وفي عدلهم وأمانتهم، وتصورهم أفرادًا ماديين همهم الثروة والسلطان ولو على حساب دماء المسلمين، وما الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان، وما حرب الجمل إلا بسبب هذه الأطماع الشخصية( ), ويظهر الاضطراب والنكارة في متن هذه الروايات في جل فقراتها، فقوله: إن ابن عباس قدم المدينة بعد بيعة علىّ يخالف الروايات الموثوقة في أنه جاء قبل أن يبايع بالخلافة وقد تقدم. وقوله: أشار المغيرة على علىّ بأن يرسل إلى عبد الله بن عامر وإلى معاوية، وإلى عمال عثمان بعهودهم يقرهم على أعمالهم..يخالف روايات أوثق منها تفيد أن معظم هؤلاء الولاة قد تركوا ولاياتهم واتخذوا سبيلهم إلى مكة، فكيف يرسل إليهم بإثباتهم وهم قد تركوا البلاد؟.
وقوله: إن عليًا قال في هؤلاء الولاة، والله لو كانت ساعة نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء، ولا مثلهم يولى، يخالفه أن هؤلاء الولاة مؤهلون للإمارة والقيادة، فقد توسعت على أيديهم الدولة الإسلامية، فعبد الله بن عامر وصلت فتوح البصرة في ولايته إلى كابل - عاصمة أفغانستان- أما معاوية فلو أنه لم يكن مؤهلاً ما ولى عشرين عامًا.. وقد بينت أن عدم رضا مجموعة من الناس عن عمال عثمان هو بسبب ما أشاعه أهل الفتنة عنهم، وليس لعجزهم، والواقع التاريخي يثبت ذلك، وتصور الرواية الواهية المغيرة بن شعبة بالمداهنة والغش، وعدم المبالاة بمصلحة المسلمين، وفي هذا الوقت العصيب بالذات، وهذا لا يوافق أخلاقه وسيرته قبل الفتنة وبعدها، كما تصور - عن حسن نية- عليًا رضي الله عنه بالجاهل في هذه الأمور السياسية، وأن المغيرة وابن عباس هما العارفان بهذه الأمور( ), وأما رواية أبى مخنف، فإن ابن عباس يشير على علىّ بعزل معاوية وأن ولايته لا تنفعه «سياسيًا» بخلاف روايات الواقدى- وفيها أن الصحابيين الجليلين طلحة والزبير إذا ولاهما على مِصْرَيْ العراق، فسيستأثران بموارده المالية( ).
إن الروايات السابقة واهية من حيث السند، وهذا كاف في إسقاطها، ومضطربة ومنكرة من حيث المتن، وهي روايات افتراضية إذا حدث كذا فسيحدث كذا، فهي لا تنقل الخبر التاريخي على حقيقته، وللأهواء وتدخل الراوي بشخصه وميوله الرافضة أثر في ذلك( ).
وما قام به أمير المؤمنين على رضي الله عنه من تعيين ولاة جدد أدعى إلى بيعة الناس في تلك البلاد البعيدة، وليجدد بهم عهد الفتوحات، ويفسح المجال أمام العبقريات الجديدة أن تنطلق وتخدم دين الله تعالى( ).
إن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه كان يمتلك موهبة قيادية ومعرفة بالنفوس والأوضاع القائمة، وأنه أقال الولاة ليختار سواهم حسب ما يراه ملائمًا لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه، وقد عزل عمر بعض ولاة أبى بكر، كما عزل عثمان بعض ولاة عمر، وبالتالي من حق على أن يعزل من يرى أن المصلحة متحققة بعزله وتعيين غيره( ), وقد جانب الصواب بعض المؤلفين المعاصرين في قضية عزل على لولاة عثمان، فاشتطت أقلامهم في تفسير هذا الموقف، فمنهم من حمله على صلابة على في الحق وضرورة التغيير، ومنهم من حمله على ضعف خبرة على السياسية، وأن الأولى سياسيًا إبقاء الولاة، وخاصة معاوية حتى تستقر الأوضاع وتؤخذ البيعة لعلي في الأمصار، وهذه التفسيرات مدارها على روايات واهية وأخبار ضعيفة تدور حول إبداء المغيرة بن شعبة رأيين متعارضين حول الموقف من الولاية( ), كما أن عليًا - رضي الله عنه- إمام مجتهد له أن يعزل جميع عمال عثمان إذا رأى المصلحة في ذلك، وقد ولى رسول الله ×، وهو المعصوم- خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء وعمرو بن العاص على عمان( ), فعزلهما الخليفة الصديق من بعده - رضي الله عنه - عزل خالد وولى مكانه المهاجر بن أبى أمية- له صحبة - وعزل عمرو وولى مكانه حذيفة بن محصن - له صحبة- ( ), وقد ولى أبو بكر - رضي الله عنه - القائدين العظيمين خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة - رضي الله عنهما- فعزلهما عمر- رضي الله عنه - مع كفاءتهما( ), وولى الفاروق - رضي الله عنه - على مصر عمرو بن العاص( ) - رضي الله عنه - وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- ( ), فعزلهما ذو النورين، وولى على مصر ابن أبى سرح( ), وعلى الكوفة سعد بن أبى وقاص( ), فهل ينتقد عاقل الصديق والفاروق وذا النورين في عزلهم هؤلاء العمال الأكفاء؟ إن لكل وقت أحوالاً وظروفًا تطرأ، فيحمل اللاحق على ما لا يراه السابق من الاجتهاد، ويرى الشاهد ما لا يراه الغائب( ) وأما قول بعض الكتاب المعاصرين بأن أمير المؤمنين على عزل جميع عمال عثمان، فإن العزل لم يتحقق إلا في معاوية بن أبى سفيان في الشام( ), وخالد بن أبى العاص بن هشام في مكة( ), وأما البصرة فخرج منها عبد الله ابن عامر، ولم يول عثمان عليها أحدًا( ), وفي اليمن أخذ أميرها يعلى بن منية- رضي الله عنه - مال جباية اليمن وقدم مكة بعد مقتل عثمان، وانضم إلى طلحة والزبير وحضر معهما موقعة الجمل، ووفد ابن أبى سرح عامل مصر واستناب ابن عمه عليها، فلما رجع إليها وجد ابن أبى حذيفة تغلب عليها فطرده عنها، فذهب إلى الرملة بفلسطين، ومكث بها حتى مات( ), وهكذا فإن أميرى اليمن والبصرة عزلا نفسيهما، وأمير مصر عزله المتغلب عليها ابن أبى حذيفة، وأمير الكوفة أقره علىّ- رضي الله عنه - في منصبه، فلم يرد العزل حقيقة إلا في حق معاوية والى الشام وخالد بن أبى العاص والى مكة، كما أن أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه ولى أخيار الناس على المسلمين، فمن الولاة الذين ولاهم على الأقاليم سهل بن حنيف على الشام وهو صحابي جليل شهد بدرًا وأحدًا، وثبت مع النبي × يوم أحد حين انكشف الناس وبايعه على الموت، وجعل ينضح بالنبل عن رسول الله ×، وشهد أيضًا الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ×( ), وولى عثمان بن حنيف على البصرة، وهو صحابي من الأنصار كان عاملاً لعمر على العراق( ), كما ولى قيس بن سعيد بن عبادة على مصر( ), وكان صاحب شرطة النبي × وكان جوادًا من ذوى الرأي والذكاء( ), وولى عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب على اليمن، له صحبة( ), وهو أصغر من أخيه بسنة، وكان كريمًا ممدوحًا نبيلاً( ), وأما قول بعض الكتاب، إنه عزل العمال قبل أن تصل إليه بيعة أهل الأمصار، فإنه تولية الإمام العمال على الأمصار غير مشروطة بوصول بيعة أهلها له عند جميع المسلمين، فمتى بايع أهل الحل والعقد أي خليفة لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز خلافته شرعًا وعقلاً، ولو كانت تولية الخليفة العمال على الأمصار متوقفة على وصول بيعة أهلها له ما تمت بيعة الصديق- رضي الله عنه - لأنه تصرف بإرسال بعث أسامة ومحاربة المرتدين ومانعي الزكاة قبل وصول بيعة أهل مكة والطائف وجواثى في البحرين، وكذلك الفاروق، رضي الله عنه، فإنه استهل خلافته بعزل خالد بن الوليد وتولية أبى عبيدة بن الجراح قائدًا عامًا على جيوش المسلمين بالشام قبل وصول بيعة أهل اليمن وجيوش المسلمين بالشام والعراق إليه، وتصرف ذو النورين- رضي الله عنه - في أمور المسلمين أيضًا قبل بيعة الأمصار إليه( ).
2- تعيين أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه بعض أقاربه على الولايات: تحدث الكتاب المعاصرون عن قضية تولية الأقارب على الولايات في خلافتي عثمان وعلىّ، حيث إن عثمان عين عددًا من الولاة، وقد تم تبيين ذلك، وكانوا خمسة من بنى أمية من ثمانية عشر واليًا، وعندما توفي عثمان لم يكن من بنى أمية من الولاة إلا ثلاثة وهم معاوية وعبد الله بن سعد بن أبى السرح، وعبد الله بن عامر بن كريز فقط، وعزل عثمان الوليد بن عقبة وسعيد ابن العاص، ولكنه عزلهما من أين؟ من الكوفة التي عزل منها عمر سعد بن أبى وقاص، الكوفة التي لم ترض بوال أبدًا، إذ عزل عثمان، رضي الله عنه لأولئك الولاة لا يعتبر مطعنًا فيهم بل مطعن في المدينة التي وُلُّوا عليها( ), ثم إن الولاة الذين ولاهم عثمان - رضي الله عنه - من أقاربه قد أثبتوا الكفاية والمقدرة في إدارة شئون ولاياتهم، وفتح الله على أيديهم الكثير من البلدان وساروا في الرعية سيرة العدل والإحسان، ومنهم من تقلد مهام الولاية قبل ذلك في عهد الصديق والفاروق، رضي الله عنهما( ), وقد قام أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه بالسير على منهج عثمان في تولية أصحاب الكفاية والمقدرة والصلاح من الأقارب على الولايات، وهم من أبناء عمه العباس بن عبد المطلب، وهم على التوالي، عبد الله بن عباس، وعبيد الله بن عباس، وقثم وتمام ابنا العباس، ومحمد ابن أبى بكر ربيبه، والتحقيق يثبت أن كلاً من على وعثمان عينا من يغلب على ظنهما كفاءته، ولا يتصور أنهما قدما الأقارب بسبب القرابة، وكانت الظروف التي تسود الولايات تقتضى اختيارًا دقيقًا للولاة من حيث القوة والأمانة، فلا تزال الفتوحات في الأقاليم الشرقية غير مستقرة، فضلاً عن مشكلات الخوارج في خلافة على( ), ولو تأملنا في أنساب ولاة علىّ لوجدنا أحد عشر واليًا منهم من الأنصار من بين ستة وثلاثين واليًا، وسبعة منهم من قريش- بينهم أربعة من أبناء العباس بن عبد المطلب - وهذه قائمة بأسماء الولاة في خلافة على( ).
1- سهل بن حنيف الأنصاري (المدينة).
2- تمام بن العباس بن عبد المطلب (المدينة).
3- أبو أيوب الأنصاري (المدينة).
4- أبو قتادة الأنصاري (المدينة).
5- قثم بن العباس بن عبد المطلب (مكة والطائف).
6- عمر بن أبى سلمه (البحرين).
7- قدامه بن العجلان الأنصاري (البحرين).
8- النعمان بن العجلان الأنصاري (البحرين).
9- عبيد الله بن عباس (اليمن والبحرين).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:23 am

- سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري (الجند).
11- مالك بن الأشتر (الجزيرة ثم مصر).
12- شبيب بن عامر (الجزيرة).
13- كميل بن زياد النخعي (الجزيرة).
14- محمد بن أبى حذيفة بن عتبة (مصر).
15- قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري (مصر).
16- محمد بن أبى بكر الصديق (مصر).
17- عثمان بن حنيف الأنصاري (البصرة).
18- عبد الله بن عباس (البصرة).
19- أبو الأسود الدؤلى (الكوفة).
20- هاني بن هوذة النخعي (الكوفة).
21- أبو موسى الأشعري (الكوفة).
22- أبو مسعود البدري (الكوفة).
23- قرظة بن كعب الأنصاري (الكوفة).
24- سهل بن حنيف الأنصاري (فارس).
25- زياد بن أبي سفيان (فارس).
26- المنذر بن الجارود (اصطخر).
27- عمر بن سلمة (أصبهان).
28- محمد بن سليم (أصبهان).
29- خليد بن قرة التميمي (خراسان).
30- عبد الرحمن بن أبزى (خراسان).
31- جعدة بن هبيرة بن أبى وهب (خراسان).
32- عبد الرحمن بن جزء الطائي (سجستان).
33- ربعي بن كأس العنبري (سجستان).
34- جرير بن عبد الله البجلى (همذان).
35- الأشعت بن قيس الكندي (أذربيجان).
36- سعيد بن سرية الخزاعي (أذربيجان).
37- الخريت بن راشد الناجي (الأهواز).
38- مصقلة بن هبيرة الشيبانى (الأهواز).
39- يزيد بن حجية التميمي (الري).
40- سعد بن مسعود الثقفي (المدائن).
41- الحارث بن مرة العبدي (السند) ( ).
إن عثمان وعليًا- رضي الله عنهما- خليفتان راشدان يقتدى بهما، وأفعالهما تشكل سوابق دستورية في هذه الأمة، فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج من تقريب الأقربين، فإن عثمان وعليًا سنا لمن بعدهم تقريب الأقربين إذا كانوا أهل كفاءة( ).
ثانيًا: مراقبة أمير المؤمنين علىًّ لعماله وبعض توجيهاته:
دأب أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه مراقبة ولاته وتتبع أحوالهم في ولاياتهم، والسؤال عنهم، وقد اتبع لذلك عدة أساليب منها أنه كان يبعث مفتشيه إلى هؤلاء الولاة فيسألون عنهم الناس، وقد يسأل بعض العمال عن بعض ويأمرهم بتفقد أمورهم، فقد كتب إلى كعب بن مالك: أما بعد فاستخلف على عملك، واخرج في طائفة أصحابك حتى تمر بأرض كورة السواد فتسأل عن عمالي وتنظر في سيرتهم( ), كما كان على رضي الله عنه يعتمد على تقارير سرية يبعثها إليه مفتشوه على هذه الولايات ولا يعرف الولاة مهمتهم( ), وقد يكون هؤلاء المراقبون من موظفي الوالي أو آخرين مجهولين، وقد يكونون مقيمين في الولاية أو متنقلين من ولاية إلى أخرى، ويدل على وجود هذه التقارير السرية ما كان يكتبه عليّ رضي الله عنه إلى هؤلاء الولاة، ولعل تدخل بعض الأشخاص بين أمير المؤمنين وولاته هو السبب في ترك بعضهم للولاية ورفضهم للعمل، كتدخل الأشتر بين علىّ وجرير ابن عبد الله البجلى، وتدخل بعض الناس بين على ومصقلة بن هبيرة( ), وقد فتح علىّ رضي الله عنه الباب على مصراعيه لأي شكوى تقدم إليه ضد أحد من ولاته، وكان إذا بلغه عن أحد منهم شكاية قال: اللهم إني لم آمرهم أن يظلموا خلقك أو يتركوا حقك( ), وقد قام رضي الله عنه بحبس أحد الولاة وتأديبه وضربه بالدرة حينما بلغته شكاية عنه( ) وثبتت التهمة.
وقد كان أمير المؤمنين على دائم النصح لولاته، وقد نصح علىّ رضي الله عنه مجموعة من الولاة منهم قيس بن سعد، حين ولاه على مصر حيث أوصاه: تأتيها ومعك جند، فإن ذلك أرعب لعدوك، وأعز لوليك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن واشتد على المريب، وأرفق بالعامة والخاصة، فإن الرفق يمن( ), ومن نصائحه إلى قيس بن سعد في إحدى رسالاته: أما بعد فأقبل على خراجك بالحق، وأحسن إلى جندك بالإنصاف، وعلم من قبلك مما علمك الله( ), وقد كانت بعض العهود المرسلة للبلدان في تعيين الولاة تشتمل على بعض النصائح والتوجيهات، ومن ذلك عهد على إلى محمد بن أبى بكر في ولاية مصر الذي قرأه على الناس، فقد كان يحتوى على جملة من النصائح للعامة وللوالي نفسه( ), وكانت تجرى بين علىّ وبين ولاته العديد من الاتصالات سواء بالمراسلة الخطية، أو الشفهية، أو بالاتصال المباشر، وبالدرجة الأولى أثناء قدوم هؤلاء الولاة إلى الكوفة لمقابلة أمير المؤمنين علىّ أو للاشتراك معه في قتال الخوارج وغيرهم، ولم يؤثر عن أمير المؤمنين أنه حج واتصل بولاته في الحج بعد مبايعته، كما كان يفعل الخلفاء السابقون، وإنما كان ينيب عنه في ذلك بعض من يثق فيهم كأبناء العباس وغيرهم، وكان ولاة المشرق أكثر ولاة علىًّ اتصالاً به، نظرًا لقربهم من الكوفة وتكرار وفودهم إليها، وكان علىّ كثيرًا ما يكتب أوامر تصدر على شكل نصائح تبين لهم طريقة العمل، وقد كان بعضها مكتوبًا، وبعضها مشافهة، فقد جاء في أحد كتب أمير المؤمنين إلى عماله: «فإنكم خزان الراعية، ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة، ولا تجشموا أحدًا عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعن الناس في الخراج كسوة شتاء، ولا صيف، ولا دابة يعملون عليها، ولا عبدًا، ولا تضربن أحدًا سوطًا لمكان درهم ولا تمس مال أحد من الناس مصلّ ولا معاهد( ) ».
وتقدم بعض الدهاقين بشكوى إلى علىّ من أحد عماله فكتب إلى ذلك العامل: أما بعد فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقارًا وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يُقضوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلبابًا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء إن شاء الله( ).
ثالثًا: الصلاحيات الممنوحة للولاة في عهد علىّ رضي الله عنه:
امتنع أمير المؤمنين علىّ عن تسليم جميع السلطات بيد شخص واحد، فكان مبدؤه توزيع السلطات وتحديد الصلاحيات، فقد نصب ابن عباس واليًا على البصرة، ونصب زيادًا على الخراج وبيت المال، ولم يكتف بهذا بل أمر ابن عباس أن يسمع منه ويطيع( )، وهذا قمة الضبط الإداري، فزياد يطيع ابن عباس في إطار ولايته على البصرة، وابن عباس يطيع زياد في إطار عمله في بيت المال والخراج، أما لشئون القضاء فقد نصب أبا الأسود الدؤلى( ).

ومن خلال عهد أمير المؤمنين على الذي كتبه لمالك بن الأشتر يمكن أن نلاحظ الصلاحيات الممنوحة للولاة، ونحاول أن نجعل الصورة أكثر وضوحًا مع التفصيل:
1- تعيين الوزراء: يقول أمير المؤمنين في عهده لمالك بن الأشتر: إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرًا، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة( ), فإنهم أعوان الأثمة، وإخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف( ), ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، ويبين عليه مثل آصارهم وأوزارهم( ), ممن لم يعاون ظالمًا على ظلمه، ولا آثمًا على إثمه، أولئك أخف عليك مئونة، وأحسن لك معونة، وأحنى لك عطفًا، وأقل لغيرك إلفًا( ), ففي هذا النص الذي أورده أمير المؤمنين على بصورة نصائح أورد فيه النقاط والحقائق الآتية:
أ- تعيين الوزراء من صلاحيات الوالي.
ب- الشروط التي يجب أن يختار الوالي وزراءه بموجبها.
جـ- طريقة التعامل والعلاقة المتبادلة بين الوالي والوزير.
د- وظيفة الوزير.
أما عدد الوزراء فلم يذكره أمير المؤمنين على بل اكتفى بلفظ الجمع، ويظهر أن عددهم يرتبط بمقدار حاجة الوالي إلى المعاونين، لأن عمل الوزير هو مساعدة الوالي في وظائفه، وهناك شروط حددها أمير المؤمنين على: أن لا يكون وزيرًا سابقًا للولاة الأشرار، وينتخب الوالي من مجموع وزرائه وزيرًا واحدًا يكون نائبه ومساعده في تمشية الأمور، ويجب أن يختاره من بين وزرائه على أساس( ) قول أمير المؤمنين: ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك( ). وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعًا ذلك من هواك حيث وقع( ), وأما وظائفهم فهي تدخل في دائرة «المساعدة» وأما تحديد تفاصيل هذه الدائرة فيوكل إلى الوالي الذي يقرر وظائف وزرائه حسب الحاجة إليهم، ويكون ارتباط الوزراء بالوالي بصورة مباشرة( ).
2- تشكيل مجالس الشورى: وذلك بالاستعانة بالعلماء والحكماء وهم أهل الحل والعقد، وأهل الخبرة، فقد ورد في حقهم هذا النص: وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك( ).
وفي هذا النص التأكيد على جمع العلماء والحكماء في مجالس استشارية منتظمة، ويمكن أن يجرى تعيينهم من قبل الوالي أو يتم انتخابهم من قبل الناس، فليس هناك تحديد من أمير المؤمنين على طبيعة تشكيل هذه المجالس، بل اكتفى أمير المؤمنين بالمطالبة من واليه، وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء أما كيف تم جمعهم؟ فهل اجتمعوا بأمر من الوالي أو يتم انتخابهم من قبل الناس؟ فهذا أمر لم يبت فيه أمير المؤمنين على، بل تركه معلقًا حسب الظروف التي تتحكم في طريقة تعيينهم، إما باختيار الوالي أو انتخاب الناس، وأما وظيفة هذا المجلس فهو الدارسة والبحث لتحديد السياسات العامة بخصوص الأمرين:
أ- تثبيت ما صلح عليه البلاد.
ب- إقامة ما استقام عليه الناس من قبل الوالي.
وهذا يعنى وضع الخطوط العريضة لكل ما يتعلق بإصلاح أوضاع البلاد والعباد، سواء كان ذلك في مصرف بيت المال أو تعيين الإداريين، أو تقديم الخدمات للأصناف من تجار وصناع ومزارعين، وهذا المجلس أشبه ما يكون بالمجالس المحلية التي تقام في الدولة التي يقوم نظامها على اللامركزية( ), وفي نصف آخر يذكر أمير المؤمنين صفات هؤلاء المستشارين والمعاونين: ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف( ), وذكر أمير المؤمنين على رضي الله عنه أهمية الاهتمام بهم وتفقد أحوالهم وأمورهم فقال: ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به( ), ولا تحقرن لطفًا تعاهدتهم( ) له وإن قل, فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك، ولا تفقد لطيف أمورهم اتكالاً على جسيمه، فإن لليسير من لطفك موضعًا ينتفعون به، وللجسم موقعًا لا يستغنون عنه( ).
3- إنشاء الجيش وتجهيزه: قال أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه لمالك النخعي: وليكن آثار رؤوس جندك عندك( ) من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم، ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همهم همًا واحدًا في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم( ), يعطف قلوبهم عليك( ). والذي يظهر من هذا النص:
أ- لابد من وجود قوة عسكرية تدافع عن الولاية.
ب- تشكيل هذه القوة وإعدادها من مسئولية الوالي، ويجرى الإنفاق عليها من بيت مال الولاية.
جـ - تعيين رؤساء الجند من مسئولية الوالي، وهناك شروط على الوالي يجب العمل بموجبها عند اختيار رؤساء الجند، فلابد من رعايتهم والاهتمام بهم حتى يكون همهم همًا واحدًا في جهاد العدو( ), فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك( ).
4- ترسيم السياسة الخارجية في مجال الحرب والسلم: يقول أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه لواليه مالك الأشتر: ولا تدفعن صلحًا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك( ), وراحة من همومك وأمنًا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل( ), فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن، وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة( ), فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت( ), فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعيًا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود( ), وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر( )، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسنّ بعهدك( ), ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته أمنًا أفضاه بين العباد برحمته( ), وحريمًا يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره( ), فلا إدخال ولا مدالسة( ), ولا خداع فيه, ولا تعقد عقدًا تجوز فيه العلل( ), ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك من الله فيه طلبة( ), فلا تستقبل فيها دنياك ولا أخرتك( ).

واستنادًا لهذا النص يقوم الوالي بـ:
- عقد معاهدة الصلح مع الدول والأمم المجاورة.
- أخذ الاستعداد للحرب، وأخذ الحيطة عند الضرورة، وبين هذين الأمرين تجرى مفردات كثيرة من تبادل الرسائل، وتبادل الوفود، وتبادل الزيارات وعقد الحوارات( ).
- الوفاء بالعهد عند المسلمين قاعدة أصولية من قواعد الدين الإسلامي التي يجب على كل مسلم أن يلتزم بها( ), كما أن الوفاء بالعهود والمواثيق لم يكن عند أمير المؤمنين على مجرد نظرية مكتوبة على الورق، ولكنه كان سلوكًا عمليًا في حياته وقد حذر الله من نقض الأيمان بعد توكيدها في كثير من الآيات القرآنية، قال تعالى: +وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" [النحل:91]، وقال جل وعلا: +وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً" [الإسراء:34].
5- الحفاظ على الأمن الداخلي: وذلك بانتهاج السياسات السلمية، كتب أمير المؤمنين إلى بعض عماله: «أما بعد، فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقارًا وجفوة، فالبس لهم جلبابًا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء»( ), وتأتى هذه السياسة للحفاظ على الأمن الداخلي، فإذا حدث ما يعكر هذه المهمة فإن مهمة الوالي هي محاولة حل المشكلات بطرق سلمية بعيدة عن استخدام القوة رافضًا سياسة الاستقواء على الشعب( ), وفي رسالته إلى مالك بن الأشتر: فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويهونه، بل يزيله وينقله( ).
6- تشكيل الجهاز القضائي في الولاية: يقول أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تفيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم( ), ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه( ), ولا تشرف نفسه على طمع( ), ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه( ), وأوقفهم في الشبهات( ), بالحجج، وأقلهم تبرمًا بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند انفتاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء( ), ولا يستميله إغراء...وأفسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك». فانظر في ذلك نظرًا بليغًا( ).
من هذا النص يظهر لنا:
أ- من مسئولية الوالي تعيين القضاة.
ب- على الوالي الالتزام بشروط صارمة في اختيار القاضي.
جـ- على الوالي رعاية القضاة كاملة حتى لا يشعروا بالحاجة إلى الآخرين( ).
7- النفقات المالية: المصدر لتمويل النفقات في الولاية أموال الزكاة والصدقات والغنائم والفيء والخراج والعشور، وتوضع في بيت المال وهو المحل الذي يجتمع فيه بيت مال المسلمين، وهناك عامل في بيت المال يسجل كل مايصله من أموال، وكل ما يخرج من بيت المال، ولبيت المال وظيفة مهمة في الإدارة اللامركزية، فما يجتمع من الأموال يتم أولاً إنفاقه على شئون الولاية من موظفين وعمال وقضاة، ومحتاجين، وإعمار إلخ..وما تبقى يتم إرساله إلى عاصمة الخلافة، ويعتبر بيت المال قلب الولاية الذي يوزع الدم في شرايين الأجهزة العاملة( ), قال أمير المؤمنين على: وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوى العيال والمجاعة( ), وجزء من هذه الأموال مصدره الخراج- كما ذكرنا- وهو ما وضع لأخذه على الأرض المزروعة، وهو المصدر الأول لتغطية رواتب موظفي الولاية، وما زاد على ذلك يوزع على الفقراء والمساكين، يقول أمير المؤمنين على: «الناس كلهم عيال على الخراج وأهله» والمقصود بالناس عامة الموظفين والمجاهدين الذين قال عنهم أمير المؤمنين رضي الله عنه: «لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله من الخراج». وقد أرشد أمير المؤمنين إلى استثمار الأرض؛ أي عمارة الأرض فقد قال: «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج لغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد»( ), فعمارة الأرض ستضيف موارد مالية جديدة يمكن الاستفادة منها في مجال الرواتب والنفقات المتنوعة، وتتم هذه النفقات باستقلالية عن الأجهزة المركزية التي لها حصة من هذه الموارد بعد أن يتم استخراج المقادير الضرورية للولاية، وبعث البقية إلى العاصمة، يقول أمير المؤمنين: «وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا»( ), كما أن من النفقات المهمة في الولاية أعمار الأنهار، فقد كتب أمير المؤمنين على لقرظة بن كعب الأنصاري: «أما بعد، فإن رجالاً من أهل الذمة من عمالك ذكروا نهرًا في أرضهم قد عفا واندفن، وفيه لهم عمارة على المسلمين، فانظر أنت وهم، ثم أعمر وأصلح النهر، فلعمرى لأن يعمروا أحب إلينا من أن يخرجوا وأن يعجزوا ويقصروا في واجب من صلاح البلاد والسلام»( ).

8- العمال التابعون للولاة ومتابعتهم: قال أمير المؤمنين على: «ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارًا( ), ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنها جماع شعب الجور واليانة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء، أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام( ) المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقًا وأصح أعراضًا، وأقل في المطامع إشرافًا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرًا، ثم أسبغ عليهم الأرزاق( ), فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك( ), ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون( ) من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم( ) على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان، فإنْ أحد منهم بسط يده إلى الخيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك( ), اكتفيت بذلك شاهدًا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة»( ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:27 am

وهنا يتحدث عن الموظفين التابعين للولاة والمحافظين على المدن والقرى وجباة الصدقات، وعلى عاتقهم مسئولية كبيرة لأن عملهم متصل بالناس بصورة مباشرة، ويتجلى في هذا النص أهمية هؤلاء في الجهاز الإداري؛ لأنهم يمثلون السلطة التنفيذية الحقيقية، فكان لابد من إشباع حاجاتهم حتى لا يطمعوا في مال غيرهم، ولا حقوقهم( ), ويشير أمير المؤمنين على إلى أهمية العيون التي تقوم بأعمال الرقابة على الإدارات والوحدات وبيت المال، ويتم تعيينهم من قبل الوالي ويكون ارتباطهم معه، وهناك شروط يجب أن
تتوافر فيهم:
أ- أن يكونوا من أهل الصدق حتى تكون تقاريرهم واقعية صادقة.
ب- أن يكونوا من أهل الوفاء حتى يكون هدفهم هو الإخلاص للدولة، وبعد تقديم التقارير على الوالي أن يثبت بدقة ما في هذه التقارير ولا يسرع في الحكم على الأفراد، ومن أعمال هذا الجهاز فرض الرقابة على التجار وذوى الصناعات لمنعهم من الاحتكار وإيقاع الضرر بالناس، وما قاله أمير المؤمنين في رسالته للأشتر في هذه الفقرة يشير إلى أن دولة الخلافة الراشدة تهتم بدوام المباشرة لأحوال الرعية، وتفقد أمورها، والتماس الإحاطة بجانب الخلل في أفرادها وجماعاتها، وهذا مبدأ قرآني بينه المولى عز وجل على لسان سليمان عليه السلام: + وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ  لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" [النمل:20، 21]، وتفقد الطير، وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الخلافة والاهتمام بكل جزء فيها والرعاية لكل واحد فيها وخاصة الضعفاء، ولا شك أن القيادة تحتاج إلى لجان ومؤسسات وأجهزة حتى تستطيع أن تقوم بهذه المهمة العظيمة، إن سليمان عليه السلام مهتمًا بمتابعة الجند وأصحاب الأعمال وخاصة إذا رأبه شيء من أحوالهم، فسليمان عليه السلام، لما لم ير الهدهد بادر بالسؤال:+مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ" يعنى أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له( ), ثم قال: +أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ" سؤال آخر ينم عن حزم في السؤال بعد الترفق، فسليمان عليه السلام أراد أن يُفهم منه أنه يسأل عن الغائب لا عن شفقة فقط ولكن عن جد وشدة، إذا لم يكن الغياب بعذر( )، فعهد الخلافة الراشدة تطبيق عملي لمفاهيم القرآن الكريم، إن أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه أشار إلى أهمية الأجهزة الأمنية للدولة المسلمة التي تحرص أشد الحرص على الاهتمام بالأخبار والمعلومات حتى توظف لخدمة الدين، ونشر المبادئ السامية، والأهداف النبيلة، والمثل العليا، وتقضى على بذور الفساد في الأجهزة المتعددة التي يقوم عليها نظام الولايات.
9- أصناف وطبقات المجتمع: قال أمير المؤمنين: «واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله سهمه( )، ووضع على حده فريضته في كتابه أو سنة نبيه ×، عهدًا منه عندنا محفوظًا...» إلى أن قال: «ولا قوام لهم جميعًا إلا بالتجار ذوى الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم( ), ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونه من الترفق بأيديهم مالا يبلغه وفق غيرهم، ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم»( ). ثم أوصى بالتجار وأصحاب الصناعة بهم خيرًا فقال: «ثم استوص بالتجار وذوى القناعات وأوص بهم خيرًا: المقيم منها، والمضطرب بما له( ), والمترفق ببدنه، فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجُلاَّبها من المباعد والمطارح في برك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتم الناس لمواضعها( ), ولا يجترئون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته( ), وصلح لا تخشى عائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقًا فاحشًا وشحًا قبيحًا( ), واحتكارًا للمنافع وتحكمًا في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاية، فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله × منع منه، وليكن البيع بيعًا سمحًا، بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه( ), فنكل به، وعاقب في غير إسراف»( ).

ونلاحظ من كلام أمير المؤمنين على رضي الله عنه أن طبقة التجار من أهم شرائح المجتمع، ولذلك أرشد الولاة إلى الاهتمام بهم من خلال وجود دائرة تتولى رعاية هذه الطبقة والإشراف على أعمالها، حتى لا يظهر عليها المظاهر السلبية كالشح والاحتكار وما شابه ذلك. وذوو الصناعات، يلم بهم ما يلم التجار من أضرار ومشاكل، فكان لابد من قيام جهاز لرعايتهم ومساعدتهم في إتمام أعمالهم( ), ومن هذه الطبقات أهل الخراج، وهم العاملون على الأرض من زراع وحراث وحافرين لآبار، وهم يحتاجون إلى الاهتمام وتشكيل لجان تكون موكلة بأهل الخراج لحل المشكلات التي تعترضهم، لأن هذا الطريق هو السبيل إلى التنمية واستثمار الأرض. ومن هذه الأصناف أهل الذمة الذين يعيشون في الدولة الإسلامية، ويعملون فيها، فلابد من رعاية الدولة لهم وتفقد شئونهم، من خلال جهاز يتولى شئونهم الاقتصادية منها والاجتماعية( ), ومنها الطبقة السفلى من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى، فإن في هذه الطبقة القانع( ), والمعتر( ), وتشمل هذه الطبقة أهل اليتم وذوى الرقة في السنَّ ممن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه، فالدولة مسئولة عنه رعاية كاملة، اجتماعية واقتصادية وتعليمية، وكان على الوالي أن يحدد وقتًا للقاء بهم ليزيل عنهم مشاعر الحرمان ويتفقد أمورهم بنفسه وبصورة مباشرة، وعليه أن يوفر الأجواء التي يستطيع بواسطتها هؤلاء المحرومون من التكلم أمام الوالي( ).
10- التربية بالعقاب والثواب: قال أمير المؤمنين على: «ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه( ), واعلم أنه ليس بشيء أدعى إلى حسن ظن راعٍ برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس قِبَلهم( ), فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبًا طويلاً( ), وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده»( ), وهذه التربية بالعقاب والثواب تحدث عنها القرآن الكريم وتتضح معالمها جلية في قصة ذي القرنين في قوله تعالى: + قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا  وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا" [الكهف: 87، 88].
إن التربية العملية للقيادة الراشدة هي التي تجعل الحوافز المشجعة هدية للمحسن ليزداد في إحسانه، وتفجر طاقة الخير العاملة على زيادة الإحسان وتشعره بالاحترام والتقدير، وتأخذ على يد المسيء لتضرب على يده، حتى يترك الإساءة، وتعمل على توسيع دوائر الخير والإحسان في أوساط المجتمع وتضييق حلقات الشر إلى أبعد حدود وفق قانون الثواب والعقاب، وهذا ما أرشد إليه أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه.
11- دور العرفاء والنقباء في تثبيت نظام الولايات: عرف المسلمون النقباء في بيعة العقبة الثانية حينما عين الرسول × اثنى عشر نقيبًا من الأنصار على قومهم؛ ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج( ), واستمر تنظيم النقباء والعرفاء في الأجناد الإسلامية المختلفة في عهد عمر، ومما ورد في ذلك تنظيم الناس في القادسية على يد سعد بن أبى وقاص حيث اجتمعت القبائل، فأمَّر أمراء الأجناد وعرَّف العرفاء، فعرَّف على كل عشرة رجلاً، كما كانت العرافات أزمان النبي × وكذلك كانت إلى أن فرض العطاء، وأمر على الرايات رجالات من أهل السابقة، وعشر الناس وأمر على الأعشار رجالاً من الناس لهم وسائل في الإسلام( ), ويُعد عمر أول من نظم تقسيم الناس في الأمصار عمومًا، ففي زمانه برز العرفاء على الناس في أمصارهم وأصبحوا مسئولين أمام الوالي عن قبائلهم والمجموعات المنضمة إليهم حسب التقسيم المتبع ذلك الوقت( ), وقد استمر نظام العرفاء طيلة عصر عثمان رضي الله عنه، وخلال عهد علىّ رضي الله عنه، فكان يجمع النقباء ويعطيهم الأموال بحصصهم فيقسمونها على من يتبعهم من الناس( ), وقد استفاد الولاة من العرفاء في إدراة الولايات في الشئون المختلفة المدنية منها والعسكرية، فكانوا يساعدون في توزيع العطاء على الناس، وفي السيطرة على النظام داخل الولايات، وفي البحث عن المطلوبين للقضاء وغيره، وفي سرعة تجنيد الناس حين الحاجة، وفي أخذ المشورة من الناس، كما كان للنقباء دور في معرفة من يضاف اسمه إلى العطاء ومن يحذف اسمه، وغير ذلك من الأمور المختلفة، وهكذا كان العرفاء من أهم الموظفين للولاة في إدارة أمصارهم مع أن هؤلاء في الغالب لم يكونوا متفرغين لهذا العمل وحده، بل كانوا مجرد مساعدين وقت الحاجة، وكان في تقسيم العرفاء والنقباء في كثير من الأحيان شيء من التنظيم القبلي، حيث كان التقسيم أحيانًا باعتبار القبيلة، إلى أن كثر الداخلون في الإسلام من الأعاجم وبدءوا يستوطنون الأمصار فبدأ هذا التقسيم يقل تدريجيًا( ) مع احتفاظه بقوته في معظم الأوقات خلال عهد الخلفاء الراشدين( ), وقد كان يتبع الولاة على البلدان بعض كبار القواد الذين يتولون قيادة أقسام معينة في الجيش، ويقومون بالفتوح المختلفة بتوجيه من أمراء الولايات، كما كانوا يصحبون الوالي وهو أمير الحرب في غزواته المختلفة ويساعدونه في تنظيم الجيش وقيادته( ), وقد كان أمراء التعبئة يلون الأمير، والذين يلون أمراء التعبئة أمراء الأعشار، والذين يلون أمراء الأعشار، أصحاب الرايات، والذين يلون أصحاب الرايات والقواد رؤوس القبائل( ), كما أن العرفاء يرفعون ما يراه قومهم من اقتراحات أو تظلمات جماعية، ويوصلونها نيابة عنهم، ويتحدثون باسمهم ويدافعون عن حقوقهم أمام الوالي وغيره( ).

رابعًا: من المفاهيم الإدارية عند أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه:
1- التأكيد على العنصر الإنساني: كتب أمير المؤمنين إلى أحد عماله: «أما بعد، فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقارًا وجفوة..فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول بين القسوة والرأفة وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء إن شاء الله»( ). فكان على الرئيس ملاحظة الأوضاع النفسية لمرءوسيه، وأن يضع استراتيجيته الإدارية على ضوء هذا الواقع، وأن يوازن بين ضرورات الضبط والتنظيم مع الضرورات الواقعية التي تفرزها الحالات الإنسانية والنفسية، فمن الخطأ أن تقوم النظرية الإدارية التنظيمية على قواعد صارمة وثابتة لا تراعي العامل الإنساني، ولا تراعي تأثيرات الظروف، وكأن التنظيم الإداري لأي مؤسسة أو منظمة أو حركة، أو حزب أو جمعية أو ناد...إلخ يتحرك في فراغ بمعزل عن التأثيرات الخارجية والداخلية( ).
2- عامل الخبرة والعلم: في هذا النطاق يؤكد أمير المؤمنين على رضي الله عنه على أهمية أن يكون المسئول صاحب خبرة وعلم، فإذا كان كذلك فله حق الطاعة، وألا فإنه لا طاعة له، يقول أمير المؤمنين: عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته( )، فإذا كان جاهلاً فإنهم معذورون فلا طاعة للجاهل لأنه يأخذهم إلى الهلاك. ويقول أيضًا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق( ), والجاهل غير العارف بالأمور ينتهي أمره إلى معصية الخالق( ) بأمر مخالف.
3- العلاقة بين الرئيس والمرءوس: هذه العلاقة لا يرسمها التسلسل التنظيمي والتدرج بل ترسمه المصلحة المشتركة بين الرئيس والمرءوسين، يقول أمير المؤمنين على لواليه عندما بعثه إلى مصر: «ثم أمور من أمورك لابد لك من مباشرتها، منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك، ومنها إصدار حاجات الناس يوم وردها عليك بما تحرج به صدور أعوانك»( ), ونحن هنا أمام حالة أُلغى فيها التسلسل الوظيفي إلغاء تامًا، وإذا لم يقدر الوالي على القيام بهذه المهمة فإنه ينتدب بعض خلصائه لذلك، فيقول: «وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم»( ), وهذا تجاوز واضح على الإدارة البيروقراطية التي ترى أن كل شيء يجب أن يتم ضمن التسلسل الإداري ولاحق لأحد في إلغاء هذا التسلسل، ومن يُلغِ ذلك يُعد متجاوزًا للتنظيم، ثم بين أمير المؤمنين مضار التقيد غير المسئول بالتسلسل الوظيفي: «فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور، والاحتجاب عنهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه؛ فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل»( ). هذه هي مضار التسلسل الإداري والتقيد الحرفي به، فتباطؤ الأمور بين هذه السلسلة الطويلة وانتقالها من مسئول إلى مسئول، ومنه إلى مسئول ثالث، فرابع وخامس حتى وصولها إلى الناس العاديين، هذه السلسلة التي تجرى بعيدًا عن مباشرة الرئيس الأعلى قد تغير الأمور وتقلبها رأسًا على عقب، فيصبح الصغير كبيرًا والحق باطلاً، والحسن قبيحًا والقبيح حسنًا، كما يقول أمير المؤمنين رضي الله عنه، وهو ما تعانى منه التنظيمات البيروقراطية لأنها تعتمد على سلسلة تنتقل عبرها المسائل والقضايا، فتنحرف عن أهدافها ومراميها، والعلاج كما يقدمه أمير المؤمنين علي هو ألا يحتجب المسئول عن أفراده، فاحتجابه يتسبب في تغيير قراراته أو تطبيقها في أحسن الظروف تطبيقًا متحجرًا بعيدًا عن الأهداف التي طمح من أجلها، ومهمة الرئيس ليست محصورة في لقاء المرءوسين، بل عليه أن يوفر الأجواء المطمئنة التي تجعل المرءوس قادرًا على طرح مشاكله بطمأنينة وبدون خوف، لأن الغاية ليست هي المقابلات الفجة، بل الهدف هو أن يكون هذا اللقاء مفيدًا فلابد من خلق الأجواء المناسبة لهذه اللقاءات، يقول في ذلك: واجعل لذوى الحاجات منك قسمًا تُفرغُ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسًا عامًا فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من حراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع( ), ويبعث إلى قثم بن العباس «ابن عمه» برسالة يقول فيها: «ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك ولا حاجب إلا وجهك»( ), وهناك نصوص أخرى تؤكد على طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرءوسين وأنها لا تقوم عبر الوسائل ولا القيود الإدارية، بل تقوم وجهًا لوجه عندما تستدعى الحاجة لذلك( ).
4- مكافحة الجمود: هناك بعض النظريات الإدارية واللوائح التنظيمية تسبب الجمود، وإضاعة الوقت والجهد، وإضاعة الحقوق، كما أن كثيرًا من الأعمال لا يفكر بإنجازها أساسًا لأنها تستغرق وقتًا طويلا حتى يتم إقرارها عبر السلسلة الإدارية، من هنا جاءت دعوة أمير المؤمنين رضي الله عنه: من أطاع التواني ضيع الحقوق( ).
5- الرقابة الواعية: الرقابة مهمة في كل تنظيم إداري، فقد نوه أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى هذه الوظيفة فقال: «وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية»( ), فالرقابة عند أمير المؤمنين هي عطف ونصرة للمراقب لمواصلة أداء الأمانة، كما أن الرقابة لابد أن تتم عبر وسائط من أهل الصدق والوفاء حتى يكون تقييمهم عادلاً لا تتلاعب فيه أهواؤهم، فالرقابة هنا عامل مساعد على التقدم، وتدفع بالأفراد إلى الحركة، والإخلاص في العمل. إن القوانين الصارمة لا وجود لها في الفكر الإداري لأمير المؤمنين رضي الله عنه عندما تعيق هذه القوانين حركة الأفراد داخل التنظيم، وتصبح سببًا لإضاعة الحقوق( ).

6- التوظيف يتم عبر الضوابط وليس عبر الروابط الشخصية: في هذا المجال أكد أمير المؤمنين على في عهده لواليه على مصر: «ثم انظر في أمور عمالك فاستعلمهم اختبارًا ولا تولهم محاباة وأثرة» فلابد من إجراء الاختبارات الأولية على الشخص الذي يراد استخدامه في عمل ما، ويجب أن يبتعد الرئيس عن المعايير الشخصية في توظيف أو ترقية الأشخاص إلى المناصب العالية، ثم يقول: «ثم انظر في حال كُتابك، فولّ على أمورك خيرهم»( ) وليس أقربهم إلى قلبك وعائلتك، فلا مجال للروابط والعواطف، فالمعيار هو الحق، وتتعلق هذه الميزة بخاصية أخرى هي الأمانة( ).
7- الضبط: ففي كتاب أمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه إلى الأشعت بن قيس يتبين هذا المفهوم: «وإن عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة، وأنت مسترعى لمن فوقك»( ). فقد اعتبر أمير المؤمنين العمل الإداري - في هذا النص - أمانة، ويجب على المسئول أن يرد هذه الأمانة كما هي، وأن يحافظ عليها، وأنه مسئول أمام الله على أدائها، ومسئول أمام رئيسه «من فوقه» اعترافًا بأهمية التسلسل الوظيفي، وهذا عامل مهم من عوامل إيجاد الضبط الإداري الذاتي الذي يمنع مظاهر التسيب والانحراف( ).
8- المشاركة في صنع القرار: إذا ما أعدنا قراءة النصوص عند أمير المؤمنين التي تحث على المشاورة لوجدنا أن الغاية من هذا الحث هو إيجاد مقدار من المشاركة في صنع القرار، وأن لا ينفرد رجل واحد في صنع القرار، سواء كان هذا الرجل قائدًا عسكريًا، أو ماليًا، أو مديرًا أو مسئولاً في أي ميدان من الميادين، فـ«الشركة» في الرأي تؤدي إلى الصواب( )، لأنها مشاركة جمع من العقول، وإضافة آراء ذوى الخبرة والتجربة، فالقرار الذي يأتي عبر مناقشة مستفيضة ستجتمتع عليه الآراء فيكون أقرب إلى الصواب( ), فالمشاورة تكفل هذا النجاح، يقول أمير المؤمنين على: شاوروا فالنجاح في المشاورة( ), لم يحدد أمير المؤمنين كيفية وأسلوب المشاورة بل وضع أمامنا قاعدة عامة، وذكر لنا فوائد تطبيق هذه القاعدة، ولم يستثن ميدانًا من الميادين عن المشورة، وهذا يعنى أنها ضرورية لكل عمل يقوم به الإنسان، وتشتد الضرورة عندما يكون هذا العمل منوطًا بمجموعة من الأشخاص وليس فردًا واحدًا، وإذا أمعنا النظر في هذا النص: صواب الرأي بإحالة الأفكار( ), لاتضح لنا أهمية المناقشات المستفيضة من ذوى الشأن للوصول إلى القرار الصائب( ).
9- حسن الاختيار لدى الوالي والضمانات المادية والنفسية لموظفي الدولة: إن حسن الاختيار يسد الطريق أمام المشاكل التي قد تطرأ نتيجة ضعف الموظف أو عدم انسجامه مع الجو العام، وإذا أمعنا النظر في رسالة أمير المؤمنين علىّ لمالك الأشتر النخعي لوجدنا الشروط المهمة التي يضعها أمامه عند اختياره لعماله: « ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارًا، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنها جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام المتقدمة فإنهم أكرم أخلاقًا، وأصح أعراضًا، وأقل في المطامع إسرافًا، وأبلغ قي عواقب الأمور نظرًَا»( ). فهذه شروط متعددة غير محصورة بالكفاءة اللازمة في العمل فقط، بل لابد من ملاحظة « العامل» من النواحي النفسية والاجتماعية أيضًا، حتى لا يأخذه الطموح ولا تتغير نواياه وأغراضه، كما لابد من ملاحظة سلوكه الاجتماعي وقدرته على التكيف في المحيط الاجتماعي الجديد، عند ذلك تبدأ مسئولية الوالي: ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك( ), فعندما تجتمع تلك الخصال في فرد من الأفراد ثم يقابل بالمكافأة الجيدة فإن ذلك مدعاة له لأن يستقيم في عمله ويواصل جهده لترقية الولاية أو المؤسسة. وفي مكان آخر يقول: وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك مالا يطمع فيه غيره من خاصتك( ), وهذه عوامل تحصن الموظفين الكبار من السقوط في طريق الرشوة أو شرائه بالمال:
أ- البذل الواسع الذي يكفل جميع حاجاته حتى يشعر بالغنى.
ب- المنزلة المرموقة حتى يشعر بالأمن والطمأنينة على وظيفته، وهذا ما يسمى بالأمن الوظيفي.
فماذا يريد الموظف بعد كل ذلك إذا كانت حياته مؤمنة، ووضعه الوظيفي مستقرًا، وهذه الضمانات لكبار موظفي الدولة يمكن إنزالها على الشركات الكبرى والمؤسسات العملاقة وقادة الحركات الإسلامية، إنها كفالة كاملة تضمنها للموظف أفضل الأفكار الإدارية، فحتى الإدارة اليابانية لا تحيط الموظف بهذا الشكل من الرخاء الأمني والمعيشي، فالموظف يأخذ راتبًا معينًا، وقد يكون هذا الراتب غير كاف لتغطية جميع نفقاته، فماذا سيعمل حينذاك يا ترى؟ قد تدفعه الحاجة إلى أعمال مشينة مخلة بالأخلاق، لكن المنهاج الإداري لأمير المؤمنين علىّ رضي الله عنه يجب أن يؤمن الموظف حتى يصل حد الغنى، أي لا يتم الاكتفاء بالراتب الشهري فقط، بل المعيار هو تأمين حاجاته، ومن ثم توفير الأمن الوظيفي له( ), «وأعطه من المنزلة ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك»( ).

10- مرافقة ذوى الخبرات: فذوو التجارب هم مصدر المعرفة الواقعية، ومن الطبيعي أن يستفيد المتعلم من أصحاب التجار أكثر ممن يتلقى العلوم النظرية، وقد استفاد اليابانيون من هذه القاعدة عندما حولوا معاملهم إلى جامعات يستفيد منها العامل الجديد، فهو يتلقى الخبرة ممن سبقه، والذي سبقه ممن سبقه، وقد جاءت هذه القاعدة على لسان أمير المؤمنين: خير من شاورت ذوو النهي والعلم وأولو التجارب والحزم( ), وأفضل من شاورت ذوو التجارب( ), ويقول في مصاحبة أصحاب العلم والتجربة: خير من صاحبت ذوو العلم والحلم( ), فهذه النصوص ما هي إلا قواعد غايتها إعداد الإنسان المسلم الناجح في الحياة، ومن ثم بناء المجتمع المتصف بالتقدم والرقى المستمر( ).
11- الإدارة الأبوية: الوالي هو أب قبل أن يكون صاحب سلطة، وهو يتعامل مع موظفيه على أنهم أبناؤه، فمثلما يحتمل الأب تربية أبنائه، كذلك يتحمل مسئولية إعداد كبار موظفي الدولة، وهذا ما أخذت به التجربة اليابانية، والذي نجد له مصداقًا في قول أمير المؤمنين على إلى مالك بن الأشتر فيوصيه بموظفيه: ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما( ), فيجب أن يتعامل المسئول مع أفراده معاملة الوالد لولده يرعاه، ويعفو عنه عندما يسئ، وعندما يعاقبه فعقوبته هي تربية له.
هذه بعض المفاهيم الإدارية عند أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه.
***

الفصل السادس
معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم
قال تعالى: +وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"
[الحجرات: 9، 10].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل للنبي ×: لو أتيت عبد الله بن أبى؟ قال: فانطلق إليه، وركب حمارًا، وانطلق المسلمون، وهي أرض سبخة( ), فلما أتاه النبي × قال: إليك عنى، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، قال: فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك، قال: فغضب لعبد الله رجل من قومه. قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنعال. قال: فبلغنا أنها نزلت فيهم: +وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا"( ).
وعن الحسن عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس، قوله: +وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ" فإن الله سبحانه أمر النبي × والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله، حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم أن يجتنب فهو باغ، فحق على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويقروا بحكم الله( ).
وفي قوله تعالى: +وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا"، أي إذا تقاتل فريقان من المسلمين، فيجب على ولاة الأمور الإصلاح بالنصح والدعوة إلى حكم الله، والإرشاد وإزالة الشبهة وأسباب الخلاف، والتعبير بـ«إن» للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يقع القتال بين المسلمين، وأنه إن وقع فإنه نادر قليل، والخطاب في الآية لولاة الأمور، والأمر فيها للجوب( )، وقد استدل البخاري وغيره بهذا على أن المعصية وإن عظمت لا تُخرج من الإيمان، خلاقًا للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة كافر وهو في النار، وثبت في صحيح البخاري عن أبى بكرة- رضي الله عنه- قال: إن رسول الله × خطب يومًا، ومعه على المنبر الحسن بن على - رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أخرى، ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»( ) ، فكان كما قال × أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب التي وقعت بينهما( ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:28 am

وفي قوله تعالى: +فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ"، أي فإن اعتدت وتجاوزت الحد إحدى الفئتين على الأخرى، ولم تذعن لحكم الله وللنصيحة، فعلى المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى حكم الله، وما أمر به من عدم البغي، والقتال يكون بالسلاح وبغيره، ويفعل الوسيط ما يحقق المصلحة، وهي الفيئة، فإن تحقق المطلوب بما دون السلاح كان ذلك، وإن تعين السلاح وسيلة فعل حتى الفيئة.
وفي قوله تعالى: +فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" أي رجعت الفئة الباغية في بغيها، بعد القتال، ورضيت بأمر الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم، وتؤدى ما يجب عليها للأخرى، حتى لا يتجدد القتال بينهما مرة أخرى، واعدلوا أيها الوسطاء في الحكم بينهما. إن الله يحب العادلين، ويجازيهم أحسن الجزاء، وهذا أمر بالعدل في كل الأمور( ). قال ×: «إن المقسطين

عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا»( ) ثم أمر الله تعالى بالإصلاح في غير حال القتال، ولو في أدنى اختلاف فقال: +إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"، فهذه الآية أصل من الأصول التي تنظم علاقة المسلم بأخيه المسلم( ). إن الله تعالى لم ينف صفة الإيمان عن إحدى الطائفتين أو كلتيهما مع وقوع القتال بينهما، وإن أولى الناس بالدخول تحت معنى هذه الآية هم سادات المؤمنين الصحابة الكرام، سواء ما وقع في معركة الجمل أو صفين، وقد قام أمير المؤمنين علىّ- رضي الله عنه - بتطبيق هذه الآية من حرصه على الإصلاح. وقد استجاب طلحة والزبير لذلك، إلا أن أتباع عبد الله بن سبأ أنشبوا الحرب بين الطرفين، وسيأتي بيان ذلك في محله بإذن الله، وحرص أمير المؤمنين على الإصلاح مع أهل الشام، وبذل ما في وسعه، من طرق سلمية، وجرّد سيفه بعد فشل كل المحاولات الإصلاحية لكي يفئ معاوية - رضي الله عنه- إلى السمع والطاعة، ووحدة الخلافة الإسلامية، إلا أن معاوية اشترط تسليم قتلة عثمان- رضي الله عنه -، فاجتهد وأخطأ، وكان الحق مع أمير المؤمنين على ووقع القتال.
وقال تعالى: +إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" فأثبتت الأخوة الإيمانية لجميع المقاتلين من المسلمين، ومن باب أولى ما وقع بين على وطلحة والزبير - رضي الله عنهم- في الجمل، وما وقع مع معاوية في صفين، ومن هنا يظهر لنا أن المقاتلين في الجمل وفي صفين مؤمنون، ولا مجال للطعن في الصحابة بسبب هذه الحوادث التاريخية، أو محاولة نزع الإيمان عنهم، أو نشر العبارات المنحرفة في حقهم، ويكفى في الرد على تلك المقولات الباطلة أن هذه الآيات أثبتت لهم أخوة الإيمان، وسيأتي بيان ما وقع بينهم - بإذن الله تعالى - بالتفصيل.
فقد ذكر تعالى أن المؤمنين إخوة في الدين، ويجمعهم أصل واحد، وهو الإيمان، فيجب الإصلاح بين كل أخوين متنازعين، وزيادة في أمر العناية بالإصلاح بين الأخوين أمر الله تعالى بالتقوى، والمعنى: فأصلحوا بينها، وليكن رائدكم في هذا الإصلاح وفي كل أموركم تقوى الله، وخشيته والخوف منه، بأن تلتزموا الحق والعدل، ولا تحيفوا ولا تميلوا لأحد الأخوين، فإنهم إخوانكم، والإسلام سوّى بين الجميع، فلا تفاضل بينهم ولا فوارق، ولعلكم ترحمون بسبب التقوى وهي التزام الأوامر واجتناب النواهي( ).
وقد جعلت الآية الكريمة الإصلاح بين الإخوة وتقوى الله سبب نزول رحمة الله، تعظيمًا لأمر الإصلاح بين المسلمين( ). ويلاحظ أنه قال: اتقوا الله عند تخاصم رجلين، ولم يقل ذلك عند إصلاح الطائفتين، لأنه في حالة تخاصم الرجلين يخشى اتساع الخصومة، وأما في حال تخاصم الطائفتين فإن أثر الفتنة أو المفسدة عام شامل الكل( ), وكلمة (إنما) للحصر تفيد أنه لا أخوة إلا بين المؤمنين، ولا أخوة بين المؤمن والكافر، لأن الإسلام هو الرباط الجامع بين أتباعه، وتفيد أيضًا أن أمر الإصلاح ووجوبه إنما هو عند وجود الأخوة في الإسلام، لا بين الكفار، فإن كان الكافر ذميًا أو مستأمنًا وجبت إعانته وحمايته ورفع الظلم عنه، كما تجب إعانة المسلم ونصرته مطلقًا إن كان خصمه حربيًا( ).
وقد قال ابن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عوّل الصحابة، وإياها عنى النبي ×: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» [أي عمار بن ياسر] أي أن بقتال البغاة فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلف قوم من الصحابة - رضي الله عنهم - عن هذا الأمر، كسعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة وغيرهم، اعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منهم( ) أمير المؤمنين علىٌّ. وهناك كثير من الأحكام سوف نراها من خلال سرد الوقائع التي حدثت بين الصحابة - بإذن الله تعالى-.
ويُعد نظام التحكيم وقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله نظامًا له السبق من حيث الزمن على محاولات البشرية في هذا الطريق، وله الكمال والبراءة من العيب والنقص الواضحين في كل محاولات البشرية البائسة القاصرة التي حاولتها في كل تجاربها الكسيحة، وله بعد هذا وذاك صفة النظافة والأمانة والعدل والمطلق، لأن الاحتكام فيه إلى أمر الذي لا يشوبه غرض ولا هوى، ولا يتعلق به نقص أو قصور( ). ولم تنته محاولات الإصلاح منذ اندلاع القتال حتى توج بالصلح العظيم الذي خطط له أمير المؤمنين الحسن بن على رضي الله عنه.
المبحث الأول
الأحداث التي سبقت معركة الجمل
كانت فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه - سببًا في حدوث كثير من الفتن الأخرى، وألقت بظلالها على أحداث الفتن التي تلتها، وقد ساهمت أسباب عديدة في فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه -، منها: الرخاء وأثره في المجتمع، طبيعة التحول الاجتماعي في عهده، مجيء عثمان بعد عمر، خروج كبار الصحابة من المدينة، العصبية الجاهلية، توقف الفتوحات، الورع الجاهل، طموح الطامحين، تآمر الحاقدين، التدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان، استخدام الأساليب والوسائل المهيجة للناس، دور عبد الله بن سبأ في الفتنة، وقد تم تفصيل تلك الأسباب في كتابي «تيسير الكريم المنّان في سيرة عثمان بن عفان».( ) إن عثمان- رضي الله عنه - كان الناس يحبونه حبًا عظيمًا، لحسن سياسته ولمكانته من رسول الله × وأحاديثه في الثناء عليه وزواجه من ابنتيه حتى سمي بذي النورين، فهو من الصحابة الكبار الذين بشروا بالجنة، ولقد تعرض للظلم في حياته من بعض الغوغاء، وكان في استطاعته أن يقضى عليهم ولكنه امتنع خوفًا من أن يكون أول من يسفك الدماء في أمة محمد ×، فقد كانت سياسته في التعامل مع الفتنة قائمة على الحلم والتأني والعدل، وقد منع الصحابة من قتال الغوغاء، وأحب أن يقي المسلمين بنفسه، ولذلك كان مقتله سببًا لحدوث كثير من الفتن الأخرى وألقت بظلالها على الأحداث المتتالية من الفتن، ولقد كان مقتله عظيمًا على المسلمين ولذلك تصدع المجتمع الإسلامي لهذا الحادث الجلل، وانقسم الناس، ومما يزيد من مكانته وبراءته مما نسب إليه مواقف الصحابة من قتله، فقد أجمع الجميع على براءته واتفقوا على الأخذ بدمه إلا أن المواقف اختلفت في الكيفية، وهذا ما سيأتي بيانه، بإذن الله. ونحب أن نسلط الأضواء على دور عبد الله بن سبأ في الفتنة عمومًا:

أولاً: أثر السبئية في إحداث الفتنة:
(1) السبئية حقيقة أم خيال: حقيقة عبد الها بن سبأ: أجمع القدماء على وجوده بلا استثناء وخالف في ذلك قلة من المعاصرين أكثرهم من الشيعة، وحجة من أنكره أنه من إبداع مخيلة سيف بن عمر التميمي وذلك لانتقاد بعض علماء الرجال له في مجال رواية الحديث أن العلماء يعدونه حجة في الأخبار، علمًا بأنه وردت روايات كثيرة عند ابن عساكر تذكر عبد الله بن سبأ ليس من بين رواتها سيف بن عمر، وقد حكم الألباني على بعضها بأنها صحيحة من حيث السند( ), وهذا غير الروايات الكثيرة عن ابن سبأ في كتب الشيعة سواء في كتب الفرق أو الرجال أو الحديث عندهم، وليس فيها عمر هذا، لا من قريب ولا من بعيد، وقد ابتدأ التشكيك في شخصية عبد الله بن سبأ( ) ووجوده في محاولة منهم لنفي دور العنصر اليهودي الحاقد في زرع الفتنة بين المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى يوجه الاتهام للصحابة بأنهم سبب الفتنة بغرض هدم النموذج السامي والصور المشرقة لهم عند المسلمين، وتابعهم على نفي وجود عبد الله بن سبأ بعض المعاصرين كلهم من الشيعة الرافضة لغاية في نفوسهم، وهي محاولتهم الفاشلة لتبرئة أصل مذهبهم من مؤسسة الحقيقي كما أجمع القدماء جميعهم بمن فيهم الشيعة. وتجدر الإشارة أن من أنكر عبد الله بن سبأ من المحسوبين على أهل السنة هم ممن تأثروا وتتلمذوا على أيدي المستشرقين فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل؟ وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق، لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في أخبار الفتنة، ودور ابن سبأ فيها لم يكن قصرًا على تاريخ الإمام الطبري، واستنادًا على روايات سيف بن عمر التميمي فيه، إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين، وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ الإسلامي وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أغزرها مادة وأكثر تفصيلاً لا أكثر، ولهذا فإن التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل بحجة عدم ذكر عبد الله بن سبأ إلا من طريق سيف بن عمر حتى بعد ثبوت ذكره من روايات صحيحة ليس فيها سيف ابن عمر كما أسلفنا، إنما يعنى الهدم لكل تلك الأخبار، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء وتزيف الحقائق التاريخية، فمتى كانت المنهجية ضربًا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص والروايات المتضافرة؟ وهل تكون المنهجية في الضرب صفحًا والإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية؟ ( ), وقد جاء ذكر ابن سبأ في كتب أهل السنة كثيرًا منها:
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان( ) المتوفى عام 83هـ، وقد هجا المختار بن أبى عبيد الثقفي وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله:
شهدت عليكم أنكم سبئية

وأني بكم يا شرطة الكفر عارف( )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلمى العربيه
عربي مميز
عربي مميز



عدد المساهمات : 250
تاريخ التسجيل : 18/01/2010

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالأربعاء يناير 20, 2010 1:30 am

انتهى بحمد الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبير الورد
المدير العام
المدير العام
عبير الورد


عدد المساهمات : 1605
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالخميس يناير 21, 2010 10:07 pm

حبيبتي سلمى

ماشالله عليكي

ابدعتي عزيزتي الله يعطيكي العافيه

شو الانجاز الحلو

كتاب رائع جداً
جعله الله في ميزان حسناتك وجزاكي الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبير الورد
المدير العام
المدير العام
عبير الورد


عدد المساهمات : 1605
تاريخ التسجيل : 08/12/2009

الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصحابه رضوان الله عليهم   الصحابه رضوان الله عليهم - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مارس 30, 2010 7:02 am

مشكورة سلمى العربيه

الله يعطيكي العافيه

مجهود رائع تشكري عليه

جعله تالله في ميزان حسناتك
دمتي بحفظ الله حبيبتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصحابه رضوان الله عليهم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 4انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4
 مواضيع مماثلة
-
» القاب الصحابه رضوان الله عليهم
» رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم...عبد الله بن رواحة
» القاب الصحابه
» موسوعة سيرة الصحابه
» كل شي عن رسول الله (صلى الله علية وسلم) من مولدة وحتى وفا ته موسوعة كاملة { ارجوا التثبيت >>

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كل العرب انفو الاخباري :: المنتدى الاسلامي :: قصص الرسل و الانبياء-
انتقل الى: